الباحث القرآني
ولَمّا نَهى عَنِ الضِّرارِ في العِصْمَةِ وفي أثَرِها الَّذِي هو العِدَّةُ أتْبَعَهُ النَّهْيَ عَمّا كانَ مِنهُ بَعْدَ انْقِضائِها بِالعَضْلِ مِن كُلِّ مَن يُتَصَوَّرُ مِنهُ عَضْلٌ لَكِنْ لَمّا كانَ نَهْيُ الأوْلِياءِ إذا كانُوا أزْواجًا نَهْيًا لِغَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ الأوْلى أسْنَدَهُ إلى الأزْواجِ وهم في غِمارِهِمْ فَقالَ: ﴿وإذا طَلَّقْتُمُ﴾ أيْ أيُّها الأزْواجُ، وأظْهَرَ ولَمْ يُضْمِرْ لِأنَّ المَذْكُورَ هُنا أعَمُّ مِنَ الأوَّلِ فَقالَ: ﴿النِّساءَ﴾ أيُّ طَلاقٍ كانَ ﴿فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾ أيِ (p-٣٢٣)انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ فَقَدْ دَلَّ سِياقُ الكَلامَيْنِ عَلى اخْتِلافِ البُلُوغَيْنِ - نَقَلَهُ الأصْبِهانِيُّ عَنِ الشّافِعِيِّ يَعْنِي أنَّ الأوَّلَ دَلَّ عَلى المُشارَفَةِ لِلْأمْرِ بِالإمْساكِ وهَذا عَلى الحَقِيقَةِ لِلنَّهْيِ عَنِ العَضْلِ ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ أيْ تَمْنَعُوهُنَّ أيُّها الأوْلِياءُ أزْواجًا كُنْتُمْ أوْ غَيْرَ أزْواجٍ، والعَضْلُ قالَ الحَرالِيُّ هو أسْوَأُ المَنعِ، مِن عَضَلْتُ الدَّجاجَةَ إذا نَشَبْتَ بَيْضَتَها فِيها حَتّى تَهْلِكَ - انْتَهى.
(p-٣٢٤)﴿أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنَّ﴾ أيِ الَّذِينَ طَلَّقُوهُنَّ وغَيْرَهُمْ، وسُمُّوا أزْواجًا لِمَآلِ أمْرِهِمْ إلى ذَلِكَ كَما أنَّ المُطَلِّقِينَ سُمُّوا أزْواجًا بِما كانَ، واسْتَدَلَّ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ورَحِمَهُ بِها عَلى أنَّهُ لا نِكاحَ إلّا بِوَلِيٍّ، لِأنَّ التَّعْبِيرَ بِالعَضْلِ دالٌّ عَلى المَنعِ الشَّدِيدِ المُعَبَّرِ مِنَ الدّاءِ العُضالِ، وإنْ عَضَلَ مِن غَيْرِ كُفُوءٍ جازَ ولَمْ تُزَوَّجْ مِنهُ ولَوْ كانَتِ المَرْأةُ تُزَوِّجُ نَفْسَها لَما كانَ إعْياءٌ ولا يَثْبُتُ عَضْلُهُ المَمْنُوعُ لِيَحْصُلَ عَزْلُهُ إلّا إذا مَنَعَ عِنْدَ الحاكِمِ وقَدْ بَيَّنَتْ ذَلِكَ السُّنَّةُ.
وهَذِهِ الآيَةُ مِن عَجائِبِ أمْرِ الِاحْتِباكِ ﴿طَلَّقْتُمُ﴾ يُفْهِمُ الأزْواجَ مِن ﴿تَعْضُلُوهُنَّ﴾ (p-٣٢٥)و﴿تَعْضُلُوهُنَّ﴾ يُفْهِمُ الأوْلِياءَ مِن ﴿طَلَّقْتُمُ﴾ وقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ في كِتابِي الإدْراكِ ﴿إذا تَراضَوْا﴾ أيِ النِّساءُ والأزْواجُ الأكْفاءُ بِما أفْهَمَتْهُ الإضافَةُ دُونَ أنْ يُقالَ: أزْواجًا لَهُنَّ مَثَلًا.
ولَمّا كانَ الرِّضى يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ عَلى العَدْلِ أشارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ولَمّا كانا قَدْ يَتَراضَيانِ عَلى ما لا يَنْبَغِي قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿بِالمَعْرُوفِ﴾ فَإنْ تَراضَوْا عَلى غَيْرِهِ كَما لَوْ كانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفُوءٍ فَأعْضِلُوهُنَّ، وعَرَفَهُ كَما قالَ الحَرالِيُّ لِاجْتِماعِ مَعْرُوفِينَ مِنهُما فَكانَ مَجْمُوعُهُما المَعْرُوفَ التّامَّ وأمّا المُنْكَرُ فَوَصَفَ أحَدَهُما - انْتَهى.
ولَمّا ذَكَرَ الأحْكامَ مُبَيِّنًا لِحُكْمِها فَكانَ ﴿ذَلِكَ﴾ وعْظًا وكانَ أكْثَرُ النّاسِ يَظُنُّ أنَّ الوَعْظَ مَغايِرٌ لِلْأحْكامِ أقْبَلُ عَلى المُخْتارِ لِلْكَمالِ فَقالَ: ذَلِكَ الأمْرُ العَظِيمُ يا أيُّها الرَّسُولُ ﴿يُوعَظُ﴾ أيْ يُرَقَّقُ ﴿بِهِ﴾ قُلُوبُ ﴿مَن كانَ﴾ والوَعْظُ قالَ الحَرالِيُّ إهْزازُ النَّفْسِ بِمَوْعُودِ الجَزاءِ ووَعِيدِهِ - انْتَهى. فَهو تَهْدِيدٌ لِمَن تَشُقُّ عَلَيْهِ الأحْكامُ وهُمُ الأكْثَرُ.
ولَمّا كانَ مِن أتْباعِهِ ﷺ مَن جاهَدَ نَفْسَهُ حَتّى صارَ أهْلًا لِفَهْمِ الدَّقائِقِ وإدْراكِ الإشاراتِ والرَّقائِقِ فَألْقى كُلِّيَّتَهُ لِلسَّماعِ (p-٣٢٦)لِحَظِّهِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنكُمْ﴾ مُعَلِّمًا أنَّ الخِطابَ في الحَقِيقَةِ لِكُلِّ فاهِمٍ، وإنَّما قُيِّدَ بِهِمْ لِأنَّهُمُ المُنْتَفِعُونَ بِهِ الفاهِمُونَ لَهُ لِما لَهم مِن رِقَّةِ القُلُوبِ النّاشِئَةِ عَنِ الإذْعانِ لِأنَّ الخِطابَ وإنْ كانَ بِالأحْكامِ فَهو وعْظٌ يَتَضَمَّنُ التَّرْهِيبَ كَما يَتَضَمَّنُ التَّرْغِيبَ ولَمّا كانَ مِنَ الحِكْمَةِ أنَّ مَن لا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ لا يُقْصَدُ بِهِ أشارَ إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ أيْ لِما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ ﴿واليَوْمِ الآخِرِ﴾ خَوْفًا مِنَ الفَضِيحَةِ فِيهِ، وفي تَسْمِيَتِهِ وعْظًا إفْهامٌ بِأنَّ مَن تَجاوَزَ حَدًّا في غَيْرِهِ سُلِّطَ عَلَيْهِ مَن يَتَجاوَزُ فِيهِ حَدًّا.
قالَ الحَرالِيُّ: لِأنَّ مَن فَعَلَ شَيْئًا فُعِلَ بِهِ نَحْوُهُ كَأنَّهُ مَن عَضَلَ عَنْ زَوْجٍ عَضَلَ ولِيٌّ آخَرُ عَنْهُ حِينَ يَكُونُ هو زَوْجًا، ومَن زَنى زُنِيَ بِهِ ﴿سَيَجْزِيهِمْ وصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩]
فَلَمّا وقَعَ ما هُيِّجُوا إلَيْهِ مِن كَمالِ الإصْغاءِ قالَ مُقْبِلًا عَلَيْهِمْ: ﴿ذَلِكُمْ﴾ أيِ الأمْرُ العَظِيمُ الشَّأْنِ ﴿أزْكى لَكُمْ﴾ أيْ أشَدُّ تَنْمِيَةً (p-٣٢٧)وتَكْثِيرًا وتَنْقِيَةً وتَطْهِيرًا بِما يَحْصُلُ مِنهُ بَيْنَكم مِنَ المَوَدَّةِ والبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ﴿وأطْهَرُ﴾ لِلْقُلُوبِ.
ولَمّا كانَ وصْفُ المُتَكَلِّمِ بِالعِلْمِ أدْعى لِقَبُولِ مَن دُونِهِ مِنهُ قالَ مُظْهِرًا ومُعِيدًا لِلِاسْمِ الأعْظَمِ تَعْظِيمًا لِلْأمْرِ:﴿واللَّهُ﴾ أيْ أُشِيرَ إلَيْكم بِهَذا والحالُ أنَّ المَلِكَ الأعْظَمَ ﴿يَعْلَمُ﴾ أيْ لَهُ هَذا الوَصْفُ ﴿وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أيْ لَيْسَ لَكم هَذا الوَصْفُ بِالذّاتِ لا في الحالِ ولا في الِاسْتِقْبالِ لِما أفْهَمَهُ النَّفْيُ بِكَلِمَةِ لا وصِيغَةِ الدَّوامِ.
{"ayah":"وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن یَنكِحۡنَ أَزۡوَ ٰجَهُنَّ إِذَا تَرَ ٰضَوۡا۟ بَیۡنَهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ذَ ٰلِكَ یُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمۡ یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۗ ذَ ٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











