الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ الطَّلاقَ رَجْعِيَّةً وبائِنَةً عَقَّبَهُ بِبَيانِ وصْفِ الرَّجْعَةِ مِنَ الحَلِّ والحُرْمَةِ وبَيانِ وقْتِها وتَحْدِيدِهِ والإشارَةِ إلى تَصْوِيرِ بَعْضِ (p-٣١٨)صُوَرِ المُضارَّةِ تَرْهِيبًا مِنها فَلَيْسَتِ الآيَةُ مُكَرَّرَةً فَقالَ: ﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ أيْ طَلاقًا رَجْعِيًّا والمُرادُ مَن يَمْلِكُ نِكاحَها مِن هَذا النَّوْعِ الشّامِلِ لِلْقَلِيلِ والكَثِيرِ ولَمْ يَقِلْ: نِساءَكُمْ، لِئَلّا تُفْهِمَ الإضافَةُ أنَّ لِطَلاقِهِمْ غَيْرَ نِسائِهِمْ حُكْمًا مَغايِرًا لِهَذا في بُلُوغِ الأجَلِ مَثَلًا ونَحْوَهُ.
ولَمّا كانَتْ إباحَةُ الرَّجْعَةِ في آخِرِ العِدَّةِ دالَّةً عَلى إباحَتِها فِيما قَبْلَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الأوْلى وكانَ مِنَ المَقْطُوعِ بِهِ عَقْلًا أنَّ لِما بَعْدَ الأجَلِ حُكْمًا غَيْرَ الحُكْمِ الَّذِي كانَ لَهُ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنِ التَّعْبِيرُ بِالبُلُوغِ مُلْبِسًا وكانَ التَّعْبِيرُ بِهِ مُفِيدًا أقْصى ما يُمْكِنُ بِهِ المُضارَّةُ فَقالَ: ﴿فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾ أيْ شارَفْنَ انْقِضاءَ العِدَّةِ، بِدَلِيلِ الأمْرِ بِالإمْساكِ لِأنَّهُ لا يَتَأتّى بَعْدَ (p-٣١٩)الأجَلِ.
وقالَ الحَرالِيُّ: ولَمّا كانَ لِلْحَدِّ المَحْدُودِ الفاصِلِ بَيْنَ أمْرَيْنِ مُتَقابِلَيْنِ بُلُوغٌ وهو الِانْتِهاءُ إلى أوَّلِ حَدِّهِ وقَرارٌ وهو الثَّباتُ عَلَيْهِ ومُجاوَزَةٌ لَحَدِّهِ ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى البُلُوغَ الَّذِي هو الِانْتِهاءُ إلى أوَّلِ الحَدِّ دُونَ المُجاوَزَةِ والمَحَلِّ، والأجَلُ مُشارَفَةُ انْقِضاءِ أمَدِ الأمْرِ حَيْثُ يَكُونُ مِنهُ مَلْجَأُ الَّذِي هو مَقْلُوبُهُ كَأنَّهُ مُشارَفَةُ فَراغِ المُدَّةِ - انْتَهى ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ﴾ أيْ بِالمُراجَعَةِ إنْ أرَدْتُمْ ولَوْ في آخِرِ لَحْظَةٍ مِنَ العِدَّةِ ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ أيْ بِحالٍ حَسَنَةٍ تُحْمَدُ عاقِبَتُها، ونَكَّرَهُ إشْعارًا بِأنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِيهِ رِضى المَرْأةِ ﴿أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ بِأنْ تَتْرُكُوهُنَّ حَتّى تَنْقَضِيَ العِدَّةُ فَيَمْلِكْنَ أنْفُسَهُنَّ مِن غَيْرِ تَلْبِيسٍ بِدَعْوًى ولا تَضْيِيقٍ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ. (p-٣٢٠)
وقالَ الحَرالِيُّ: هَذا مَعْرُوفُ الإمْتاعِ والإحْسانِ وهو غَيْرُ مَعْرُوفِ الإمْساكِ، ولِذَلِكَ فَرَّقَهُ الخِطابُ ولَمْ يَكُنْ: فَأمْسِكُوهُنَّ أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ - انْتَهى.
ولَمّا كانَ المَعْرُوفُ يَعُمُّ كُلَّ خَيْرٍ وكانَ الأمْرُ بِهِ لا يُفِيدُ التَّكْرارَ خُصَّ تَرْكُ الشَّرِّ اهْتِمامًا بِهِ مُعَبِّرًا بِما يَتَناوَلُ جَمِيعَ الأوْقاتِ فَقالَ: ﴿ولا تُمْسِكُوهُنَّ﴾ أيْ بِالمُراجَعَةِ في آخِرِ العِدَّةِ ﴿ضِرارًا﴾ كَمّا كانَ في الجاهِلِيَّةِ ﴿لِتَعْتَدُوا﴾ أيْ قاصِدِينَ بِذَلِكَ التَّوَصُّلَ إلى شَيْءٍ مِن مُجاوَزَةِ الحُدُودِ الَّتِي بُيِّنَتْ لَكم مِثْلَ أنْ يُرِيدَ تَطْوِيلَ العِدَّةِ عَلَيْها فَإنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلى اعْتِدادِها تِسْعَةَ أشْهُرٍ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَمَن يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ زَوْجَهُ عُطِفَ عَلَيْهِ زِيادَةً في التَّنْفِيرِ عَنْهُ قَوْلُهُ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أيِ الفِعْلَ البَعِيدَ عَنِ الخَيْرِ، وفي التَّعْبِيرِ بِالمُضارِعِ إشْعارٌ بِأنَّ في الأُمَّةِ مَن يَتَمادى عَلى فِعْلِهِ ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ أيْ بِتَعْرِيضِها لِسُخْطِ اللَّهِ عَلَيْهِ ونَفْرَةِ النّاسِ مِنهُ.
ولَمّا كانَ قَدْ لا يَقْصِدُ شَيْئًا مِنِ انْتِهاكِ الحُرُماتِ ولا مِنَ المَصالِحِ فَكانَ مُقَدَّمًا عَلى ما لا يُعْلَمُ أوْ يُظَنُّ لَهُ عاقِبَةٌ حَمِيدَةٌ تَهاوُنًا بِالنَّظَرِ وكانَ فاعِلُ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالهازِئِ كَما يُقالُ لِمَن لا يَجِدُ في أمْرٍ: هو لاعِبٌ، قالَ: ﴿ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ﴾ أيْ مَعَ ما تَعْلَمُونَ مِن عَظَمَتِها بِعَظَمَةِ (p-٣٢١)ناصِبِها ﴿هُزُوًا﴾ بِإهْمالِها عَنْ قَصْدِ المَصالِحِ الَّذِي هو زَوْجُها.
ولَمّا كانَ عَلى العَبْدِ أنْ يَقْتَفِيَ أثَرَ السَّيِّدِ في جَمِيعِ أفْعالِهِ قالَ: ﴿واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٧] أيِ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ثُمَّ عَبَّرَ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ إشارَةً إلى عُمُومِ النِّعَمِ وغَلَبَتِها فَقالَ: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ هَلْ تَرَوْنَ فِيها شَيْئًا مِن وادِي العَبَثِ بِخُلُوِّهِ عَنْ حِكْمَةٍ ظاهِرَةٍ ﴿وما﴾ أيْ وخُصُّوا بِالذِّكْرِ الَّذِي ﴿أنْـزَلَ عَلَيْكم مِنَ الكِتابِ﴾ الَّذِي فاقَ جَمِيعَ الكُتُبِ وعَلا عَنِ المُعارَضَةِ فَغَلَبَ جَمِيعَ الخَلْقِ بِما أفادَتْهُ أداةُ الِاسْتِعْلاءِ ﴿والحِكْمَةِ﴾ الَّتِي بَثَّها فِيهِ وفي سُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ حالَ كَوْنِهِ ﴿يَعِظُكُمْ﴾ أيْ يُذَكِّرُ بِما يُرَقِّقُ قُلُوبَكم ﴿بِهِ﴾ أيْ بِذَلِكَ كُلِّهِ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ أيْ بالِغُوا في الخَوْفِ مِمَّنْ لَهُ الإحاطَةُ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ بِاسْتِحْضارِ (p-٣٢٢)ما لَهُ مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي لا تَتَناهى ونَبَّهَ عَلى عَظِيمِ أمْرِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿واعْلَمُوا﴾ وبِتَكْرِيرِ الِاسْمِ الأعْظَمِ في قَوْلِهِ: ﴿أنَّ اللَّهَ﴾ فَلَمْ يَبْقَ وراءَ ذَلِكَ مَرْمًى ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ أيْ مِن أُمُورِ النِّكاحِ وغَيْرِها ﴿عَلِيمٌ﴾ أيْ بالِغُ العِلْمِ فاحْذَرُوهُ حَذَرَ مَن يَعْلَمُ أنَّهُ بِحَضْرَتِهِ وكُلُّ ما يَعْمَلُهُ مِن سِرٍّ وعَلَنٍ فَبِعَيْنِهِ.
قالَ الحَرالِيُّ: والتَّهْدِيدُ بِالعِلْمِ مُنْتَهى التَّحْدِيدِ - انْتَهى.
{"ayah":"وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفࣲۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارࣰا لِّتَعۡتَدُوا۟ۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق