الباحث القرآني
ولَمّا كانَ البَيانُ مِن أوَّلِ السُّؤالِ إلى هُنا قَدْ شُفِيَ في أُمُورِ (p-٢٦٤)الدّارَيْنِ وكَفى وأوْضَحَ ثَمَراتِ كُلٍّ مِنهُما وكانَ العَرَبُ يُنْكِرُونَ الآخِرَةَ ساقَ ذِكْرَها مَساقَ ما لا نِزاعَ فِيهِ لِكَثْرَةِ ما دَلَّ عَلَيْها فَقالَ: ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ أيْ في أُمُورِهِما فَتَعْلَمُوا بِما فَتَحَ اللَّهُ لَكم سُبْحانَهُ وتَعالى مِنَ الأبْوابِ وما أصِلُ لَكم مِنَ الأُصُولِ ما هو صالِحٌ وما هو أصْلَحُ وما هو شَرٌّ وما هو أشَرُّ لِتَفْعَلُوا الخَيْرَ وتَتَّقُوا الشَّرَّ فَيَؤُولُ بِكم ذَلِكَ إلى فَوْزِ الدّارَيْنِ.
ولَمّا كانَ العَفْوُ غَيْرَ مَقْصُورٍ عَلى المالِ بَلْ يَعُمُّ القُوى البَدَنِيَّةَ والعَقْلِيَّةَ وكانَ النَّفْعُ لِلْيَتِيمِ مِن أجَلِّ ما يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّفَكُّرُ في أُمُورِ الآخِرَةِ وكانَ الجِهادُ مِن أسْبابِ القَتْلِ المُوجِبِ لِلْيُتْمِ وكانُوا يَلُونُ يَتاماهم فَنَزَلَ التَّحْرِيجُ الشَّدِيدُ في أكْلِ أمْوالِهِمْ فَجانَبُوهم واشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ سَألُوا عَنْهم فَأفْتاهم سُبْحانَهُ وتَعالى فِيهِمْ ونَدَبَهم إلى مُخالَطَتِهِمْ عَلى وجْهِ الإصْلاحِ الَّذِي لا يَكُونُ لِمَن يَتَعاطى الخَمْرَ والمَيْسِرَ فَقالَ: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى﴾ (p-٢٦٥)أيْ في وِلايَتِهِمْ لَهم وعَمَلِهِمْ في أمْوالِهِمْ وأكْلِهِمْ مِنها ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يَعْسُرُ حَصْرُهُ؛ وأمَرَهُ بِالجَوابِ بِقَوْلِهِ:﴿قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ﴾ أيْ مِن تَرْكِهِ، ولا يَخْفى الإصْلاحُ عَلى ذِي لُبٍّ فَجَمَعَ بِهَذا الكَلامِ (p-٢٦٦)اليَسِيرِ المَضْبُوطِ بِضابِطِ العَقْلِ الَّذِي أقامَهُ تَعالى حُجَّةً عَلى خَلْقِهِ ما لا يَكادُ يُعَدُّ، وفي قَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ﴾ ما يُشْعِرُ بِالحَثِّ عَلى تَخْصِيصِهِمْ بِالنَّظَرِ في أحْوالِهِمْ ولَوْ أدّى ذَلِكَ إلى مَشَقَّةٍ عَلى الوَلِيِّ.
ولَمّا كانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَعَ مُجانَبَتِهِمْ وكانُوا قَدْ يَرْغَبُونَ في نِكاحِ يَتِيماتِهِمْ قالَ: ﴿وإنْ تُخالِطُوهُمْ﴾ أيْ بِنِكاحٍ أوْ غَيْرِهِ لِيَصِيرَ النَّظَرُ في الصَّلاحِ مُشْتَرَكًا بَيْنَكم وبَيْنَهُمْ، لِأنَّ المَصالِحَ صارَتْ كالواحِدَةِ.
قالَ الحَرالِيُّ: وهي رُتْبَةٌ دُونَ الأُولى، والمُخالَطَةُ مُفاعَلَةٌ مِنَ الخُلْطَةِ وهي إرْسالُ الأشْياءِ الَّتِي شَأْنُها الِانْكِفافُ بَعْضَها في بَعْضٍ كَأنَّهُ رَفَعَ التَّحاجُزَ بَيْنَ ما شَأْنُهُ ذَلِكَ ﴿فَإخْوانُكُمْ﴾ جَمْعُ أخٍ وهو النّاشِئُ مَعَ أخِيهِ مِن مَنشَأٍ واحِدٍ عَلى السَّواءِ بِوَجْهٍ ما - انْتَهى.
أيْ فَعَلَيْكم مِن مُناصَحَتِهِمْ ما يَقُودُكُمُ الطَّبْعُ إلَيْهِ مِن مُناصَحَةِ الإخْوانِ ويَحِلُّ لَكم مِنَ الأكْلِ مِن أمْوالِهِمْ بِالمَعْرُوفِ وما يَحِلُّ مِن أمْوالِ إخْوانِكُمْ؛ قالَتْ عائِشَةُ (p-٢٦٧)رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: إنِّي لَأكْرَهُ أنْ يَكُونَ مالُ اليَتِيمِ عِنْدِي كالغُدَّةِ حَتّى أخْلِطَ طَعامَهُ بِطَعامِي وشَرابِهِ بِشَرابِي.
قالُوا: وإذا كانَ هَذا في أمْوالِ اليَتامى واسِعًا كانَ في غَيْرِهِمْ أوْسَعَ، وهو أصْلٌ شاهِدٌ لِما يَفْعَلُهُ الرِّفاقُ في الأسْفارِ، يُخْرِجُونَ النَّفَقاتِ بِالسَّوِيَّةِ ويَتَبايَنُونَ في قِلَّةِ المَطْعَمِ وكَثْرَتِهِ - نَقَلَهُ الأصْبَهانِيُّ.
ولَمّا كانَ ذَلِكَ مِمّا قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ الشَّرُّ الَّذِي يَظْهَرُ فاعِلُهُ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلّا الخَيْرَ وعَكْسُهُ قالَ مُرَغِّبًا مُرَهِّبًا: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿يَعْلَمُ﴾ أيْ في كُلِّ حَرَكَةٍ وسُكُونٍ.
ولَمّا كانَ الوَرَعُ مَندُوبًا إلَيْهِ مَحْثُوثًا عَلَيْهِ لا سِيَّما في أمْرِ اليَتامى فَكانَ التَّحْذِيرُ بِهَذا المَقامِ أوْلى قالَ: ﴿المُفْسِدَ﴾ أيِ الَّذِي الفَسادُ صِفَةٌ لَهُ ﴿مِنَ المُصْلِحِ﴾ فاتَّقُوا اللَّهَ في جَمِيعِ الأُمُورِ ولا تَجْعَلُوا خُلْطَتَكم إيّاهم ذَرِيعَةً إلى أكْلِ أمْوالِهِمْ.
ولَمّا كانَ هَذا أمْرًا لا يَكُونُ في بابِهِ أمْرٌ أصْلَحُ مِنهُ ولا أيْسَرُ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِهِ في قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ﴾ أيْ بِعَظَمَةِ كَمالِهِ (p-٢٦٨)﴿لأعْنَتَكُمْ﴾ أيْ كَلَّفَكم في أمْرِهِمْ وغَيْرِهِ ما يَشُقُّ عَلَيْكم مَشَقَّةً لا تُطاقُ فَحَدَّ لَكم حُدُودًا وعَيَّنَها يَصْعُبُ الوُقُوفُ عِنْدَها وألْزَمَكم لَوازِمَ يَعْسُرُ تَعاطِيها، مِنَ الإعْناتِ وهو إيقاعُ العَنَتِ وهو أسْوَأُ الهَلاكِ الَّذِي يَفْحُشُ نَعْتُهُ - قالَهُ الحَرالِيُّ.
ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الأعْظَمَ ﴿عَزِيزٌ﴾ يَقْدِرُ عَلى ما يُرِيدُ ﴿حَكِيمٌ﴾ يُحْكِمُهُ بِحَيْثُ لا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى نَقْضِ شَيْءٍ مِنهُ.
{"ayah":"فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡیَتَـٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحࣱ لَّهُمۡ خَیۡرࣱۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَ ٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











