الباحث القرآني

ولَمّا خَتَمَ هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ بِالسّاعِي في رِضا اللَّهِ عَنْهُ مُشاكَلَةً لِلْأوَّلِينَ حَسُنَ جِدًّا تَعْقِيبُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (p-١٧٩)لِيَكُونَ هَذا النِّداءُ واقِعًا بادِئَ بَدْءٍ في أُذُنِ هَذا الواعِي كَما كانَ المُنافِقُ مَصْدُوعًا بِما سَبَقَهُ مِنَ التَّقْوى والحَشْرِ مَعَ كَوْنِهِ دَلِيلًا عَلى صِفَةِ الرَّأْفَةِ، وتَكْرِيرُ الأمْرِ بِالإيمانِ بَيْنَ طَوائِفِ الأعْمالِ مِن أعْظَمِ دَلِيلٍ عَلى حِكْمَةِ الآمِرِ بِهِ فَإنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ آكَدَ لِأمْرِهِ وأمْكَنَ لِمَجْدِهِ وفَخْرِهِ يُفْهَمُ أنَّهُ العِمادُ في الرَّشادِ المُوجِبِ لِلْإسْعادِ يَوْمَ التَّنادِ فَقالَ: ﴿ادْخُلُوا في السِّلْمِ﴾ أيِ الإيمانِ الَّذِي هو مُلْزِمٌ لِسُهُولَةِ الِانْقِيادِ إلى كُلِّ خَيْرٍ، وهو في الأصْلِ بِالفَتْحِ والكَسْرِ المُوادَعَةُ في الظّاهِرِ بِالقَوْلِ والفِعْلِ أيْ يا مَن آمَنَ بِلِسانِهِ كَهَذا الألَدِّ لِيَكُنِ الإيمانُ أوِ الِاسْتِلامُ بِكُلِّيَّةِ الباطِنِ والظّاهِرِ ظَرْفًا مُحِيطًا بِكم مِن جَمِيعِ الجَوانِبِ فَيُحِيطُ بِالقَلْبِ والقالَبِ كَما أحاطَ بِاللِّسانِ ولا يَكُونُ لِغَرامَةِ الجَهْلِ وجَلافَةِ الكُفْرِ إلَيْكم سَبِيلٌ ﴿كافَّةً﴾ أيْ ولْيَكُنْ جَمِيعُكم في ذَلِكَ شَرْعًا (p-١٨٠)واحِدًا كَهَذا الَّذِي يَشْرِي نَفْسَهُ، ولا تَنْقَسِمُوا فَيَكُونُ بَعْضُكم هَكَذا وبَعْضُكم كَذَلِكَ الألَدِّ، فَإنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الكَذِبِ في دَعْوى الإيمانِ. ولَمّا كانَ الإباءُ والعِنادُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الأنَفَةُ والكِبْرُ فِعْلَ الشَّيْطانِ وثَمَرَةَ كَوْنِهِ مِن نارٍ قالَ: ﴿ولا تَتَّبِعُوا﴾ أيْ تُكَلِّفُوا أنْفُسَكم مِن أمْرِ الضَّلالِ ضِدَّ ما فَطَرَها اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَهَّلَهُ لَها مِنَ الهُدى ﴿خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ أيْ طُرُقَ المُبْعَدِ المُحْتَرِقِ في الكِبْرِ عَنِ الحَقِّ. قالَ الحَرالِيُّ: فَفي إفْهامِهِ أنَّ التَّسْلِيطَ في هَذا اليَوْمِ لَهُ، وفِيهِ إشْعارٌ وإنْذارٌ بِما وقَعَ في هَذِهِ الأُمَّةِ وهو واقِعٌ وسَيَقَعُ مِن خُرُوجِهِمْ مِنَ السِّلْمِ إلى الِاحْتِرابِ بِوُقُوعِ الفِتْنَةِ في الألْسِنَةِ والأسِنَّةِ عَلى أمْرِ الدُّنْيا وعَوْدِهِمْ إلى أُمُورِ جاهِلِيَّتِهِمْ، لِأنَّ الدُّنْيا أقْطاعُ الشَّيْطانِ كَما أنَّ الآخِرَةَ خُلاصَةُ الرَّحْمَنِ، فَكانَ ابْتِداءُ الفِتْنَةِ مُنْذُ كَسْرِ البابِ المُوصَدِ عَلى السِّلْمِ وهو عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَلَمْ يَزَلِ الهَرْجُ ولا يَزالُ إلى أنْ تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها. (p-١٨١)ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أيْ بِما أخْبَرْناكم بِهِ في أمْرِ أبِيكم آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا شَواهِدُهُ ظاهِرَةٌ، وما أحْسَنَ هَذا الخَتْمَ المُضادَّ لِخَتْمِ الَّتِي قَبْلَها! فَإنَّ تَذَكُّرَ الرَّأْفَةِ مِنهُ سُبْحانَهُ عَلى عَظْمَتِهِ والعُبُودِيَّةَ مِنّا الَّذِي هو مَعْنى الوَلايَةِ الَّتِي رُوحُها الِانْقِيادُ لِكُلِّ ما يُحِبُّهُ الوَلِيُّ وتَذَكُّرُ عَداوَةِ المُضِلِّ أعْظَمُ مُنَفِّرٍ مِنهُ وداعٍ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب