الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ الخَبَرَ عَنْ هَذا القِسْمِ الَّذِي هو شَرُّ الأقْسامِ أتْبَعُهُ خَيْرَها لِيَكُونَ خِتامًا وبَيْنَهُما تَبايُنٌ فَإنَّ الأوَّلَ مِن يُهْلِكُ النّاسَ لِاسْتِبْقاءِ نَفْسِهِ وهَذا يُهْلِكُ نَفْسَهُ لِاسْتِصْلاحِ النّاسِ فَقالَ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن﴾ أيُّ شَخْصٍ أوِ الَّذِي ﴿يَشْرِي﴾ أيْ يَفْعَلُ هَذا الفِعْلَ كُلَّما لاحَ لَهُ وهو أنَّهُ يَبِيعُ بِغايَةِ الرَّغْبَةِ والِانْبِعاثِ ﴿نَفْسَهُ﴾ فَيُقْدِمُ عَلى إهْلاكِها (p-١٧٧)أوْ يَشْتَرِيها بِما يَكُونُ سَبَبَ إعْتاقِها وإحْيائِها بِالِاجْتِهادِ في أوامِرِ اللَّهِ بِالنَّهْيِ لِمِثْلِ هَذا الألَدِّ عَنْ فِعْلِهِ الخَبِيثِ والأمْرِ لَهُ بِالتَّقْوى والتَّذْكِيرِ بِاللَّهِ، ورُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ لِأنَّهُ لَمّا هاجَرَ أرادَتْ قُرَيْشٌ رَدَّهُ فَجَعَلَ لَهم مالَهُ حَتّى خَلَّوْا سَبِيلَهُ فَقالَ لَهُ النَّبِيَّ ﷺ: «رَبِحَ البَيْعُ» فَعَلى هَذا يَكُونُ شَرى بِمَعْنى اشْتَرى، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ابْتِغاءَ﴾ أيْ تَطَلُّبَ وتَسَهُّلَ وتَيَسُّرَ بِغايَةِ ما يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ كُلٌّ مِن ذَلِكَ ﴿مَرْضاتِ اللَّهِ﴾ أيْ رِضا المُحِيطِ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ وزَمانِ الرِّضا ومَكانِهِ بِما دَلَّ عَلَيْهِ كَوْنُ المَصْدَرِ مِيمِيًّا ويَكُونُ ذَلِكَ غايَةً في بابِهِ بِما دَلَّ عَلَيْهِ مِن وقْفِهِ بِالتّاءِ المَمْدُودَةِ لِما يُعْلَمُ مِن شِدَّةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى بِهِ ﴿واللَّهُ رَءُوفٌ﴾ أيْ بالِغُ الرَّحْمَةِ، (p-١٧٨)وأظْهَرَ مَوْضِعَ الإضْمارِ دَلالَةً عَلى العُمُومِ وعَلى الوَصْفِ المُقْتَضِي لِلرَّحْمَةِ والشَّرَفِ فَقالَ: ﴿بِالعِبادِ﴾ كُلِّهِمْ حَيْثُ أسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً مَعَ كُفْرِهِمْ بِهِ أوْ تَقْصِيرِهِمْ في أمْرِهِ، وبَيَّنَ لَهُمُ الطَّرِيقَ غايَةَ البَيانِ بِالعَقْلِ أوَّلًا والرُّسُلِ ثانِيًا والشَّرائِعِ ثالِثًا والكُتُبِ الحافِظَةِ لَها رابِعًا، ولَعَلَّ الفَصْلَ بَيْنَ الأقْسامِ الأرْبَعَةِ بِالأيّامِ المَعْدُوداتِ اهْتِمامًا بِأمْرِها لِكَوْنِها مَن فِعْلِ الحَجِّ وتَأْخِيرُها عَنْ أخَواتِها إشارَةٌ إلى أنَّها لَيْسَتْ مِن دَعائِمِ المَناسِكِ بَلْ تُجْبَرُ بِدَمٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب