الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ أنَّهُ ألَدُّ شَرَعَ يَذْكُرُ وجْهَ لَدَدِهِ فَقالَ عاطِفًا عَلى ما (p-١٧٢)تَقْدِيرُهُ: فَإذا واجَهَكَ اجْتَهَدَ في إظْهارِ أنَّهُ مُصْلِحٌ أوْ تَكُونُ جُمْلَةً حالِيَّةً ﴿وإذا تَوَلّى﴾ أيْ أعْرَضَ بِقَلْبِهِ أوْ قالَهُ عَمَّنْ خَدَعَهُ بِكَلامِهِ، وكَنّى بِالتَّعْبِيرِ بِالسَّعْيِ عَنِ الإسْراعِ في إيقاعِ الفِتْنَةِ بِغايَةِ الجَهْدِ فَقالَ: ﴿سَعى﴾ ونَبَّهَ عَلى كَثْرَةِ فَسادِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ كُلِّها بِفِعْلِهِ وقَوْلِهِ عِنْدَ مَن يُوافِقُهُ ﴿لِيُفْسِدَ﴾ أيْ لِيُوقِعَ الفَسادَ وهو اسْمٌ لِجَمِيعِ المَعاصِي ﴿فِيها﴾ أيْ في الأرْضِ في ذاتِ البَيْنِ لِأجْلِ الإهْلاكِ والنّاسُ أسْرَعُ شَيْءٍ إلَيْهِ فَيَصِيرُ لَهُ مُشارِكُونَ في أفْعالِ الفَسادِ، فَإذا فَعَلَ مِنهُ ما يُرِيدُ كانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهم فَكانَ لَهُ عَلَيْهِ أعْوانٌ وبَيَّنَ أنَّهُ يَصِلُ بِإفْسادِهِ إلى الغايَةِ بِقَوْلِهِ مُسَمِّيًا المَحْرُوثَ حَرْثًا (p-١٧٣)مُبالَغَةً: ﴿ويُهْلِكَ الحَرْثَ﴾ أيِ المَحْرُوثَ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الحَيَوانُ، قالَ الحَرالِيُّ سَمّاهُ حَرْثًا لِأنَّهُ الَّذِي نَسَبَهُ إلى الخَلْقِ، ولَمْ يُسَمِّهِ زَرْعًا لِأنَّ ذَلِكَ مَنسُوبٌ إلى الحَقِّ - انْتَهى. ولِأنَّهُ إذا هَلَكَ السَّبَبُ هَلَكَ المُسَبَّبُ مِن غَيْرِ عَكْسٍ ﴿والنَّسْلَ﴾ أيِ المَنسُولَ الَّذِي بِهِ بَقاءُ نَوْعِ الحَيَوانِ. قالَ الحَرالِيُّ: وهو اسْتِخْراجُ لِطَيْفِ الشَّيْءِ مِن جُمْلَتِهِ - انْتَهى. وفِعْلُهُ ذَلِكَ لِلْإفْسادِ ونُظِمَتِ الآيَةُ هَكَذا إفْهامًا لِأنَّ المَعْنى أنَّ غَرَضَهُ أوَّلًا بِإفْسادِ ذاتِ البَيْنِ التَّوَصُّلُ إلى الإهْلاكِ وثانِيًا بِالإهْلاكِ التَّوَصُّلُ إلى الإفْسادِ ﴿واللَّهُ﴾ أيْ والحالُ أنَّ المَلِكَ الأعْظَمَ ﴿لا يُحِبُّ الفَسادَ﴾ أيْ لا يَفْعَلُ فِيهِ فِعْلَ المُحِبِّ فَلا يَأْمُرُ بِهِ بَلْ يَنْهى عَنْهُ ولا يُقِرُّ عَلَيْهِ بَلْ يُغَيِّرُهُ وإنْ طالَ المَدى ويُعاقِبُ عَلَيْهِ، ولَمْ يُقَلِ: الهَلاكُ، لِأنَّهُ قَدْ يَكُونُ صُورَةً فَقَطْ فَيَكُونُ صَلاحًا كَما إذا كانَ قِصاصًا ولا (p-١٧٤)قالَ: الإفْسادُ يَشْمَلُ ما إذا كانَ الفَسادُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، والآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ، ذَكَرَ أوَّلًا الإفْسادَ لِيَدُلَّ عَلى حَذْفِهِ ثانِيًا وثانِيًا الإهْلاكَ لِيَدُلَّ عَلى حَذْفِهِ أوَّلًا، وذَكَرَ الحَرْثَ الَّذِي هو السَّبَبُ دَلالَةً عَلى النّاسِلِ والنَّسْلِ الَّذِي هو المُسَبَّبُ دَلالَةً عَلى الزَّرْعِ فَهو احْتِباكٌ ثانٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب