الباحث القرآني
ولَمّا أمَرَهم بِالذِّكْرِ في المَناسِكِ وكانَ الإنْسانُ فِيها بِصَدَدِ الذِّكْرِ أمَرَهم بِالذِّكْرِ بَعْدَ قَضائِها لِأنَّ مَن فَرَغَ مِنَ العِبادَةِ كانَ بِصَدَدِ أنْ يَسْتَرِيحَ فَيَفْتُرَ عَنِ الذِّكْرِ إلى غَيْرِهِ وكانَتْ عادَتُهم أنْ يَذْكُرُوا بَعْدَ فَراغِهِمْ مَفاخِرَ آبائِهِمْ فَقالَ: ﴿فَإذا قَضَيْتُمْ﴾ أيْ أنْهَيْتُمْ إنْهاءً بَيِّنًا لا شُبْهَةَ فِيهِ ﴿مَناسِكَكُمْ﴾ أيْ أرْكانَ الحَجِّ، وأعادَ الِاسْمَ الأعْظَمَ بِمِثْلِ ما مَضى مِنَ التَّعْظِيمِ وتَعْمِيمِ الذِّكْرِ في جَمِيعِ الوُجُوهِ فَقالَ: ﴿فاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ الَّذِي لا نِعْمَةَ عَلَيْكم إلّا مِنهُ وهو الَّذِي هَداكُمْ، (p-١٥٦)ذِكْرًا ﴿كَذِكْرِكم آباءَكُمْ﴾ لِكَوْنِهِمْ أحْسَنُوا إلَيْكم بِالتَّرْبِيَةِ الَّتِي هي في الحَقِيقَةِ مِن فَضْلِ اللَّهِ تَعالى، عَلى أنَّهم فَعَلُوا بِكم كُلَّ مِحْنَةٍ لا تُوازِيها نِعْمَةٌ فَإنَّهم أضَلُّوكُمْ، فَسُبْحانَ مَن رَضِيَ وهو المُنْعِمُ المُطْلِقُ الهادِي بِأنْ يُذْكَرَ مِثْلَ ذِكْرِ مَن كانَ سَبَبًا لِنِعْمَةٍ خاصَّةٍ هو سُبْحانَ الَّذِي أفاضَها عَلَيْهِ مَعَ أنَّهُ كانَ سَبَبًا في الضَّلالِ!
قالَ الحَرالِيُّ: فانْتَظَمَ ذِكْرُ إخْراجِهِمْ عَنْ قَوْلِهِمُ المَعْهُودِ بِإخْراجِهِمْ عَنْ مَوْقِفِهِمُ المَعْهُودِ إخْراجًا لَهم عَنْ مُعْتادِهِمْ في أعْمالِهِمْ وأحْوالِهِمْ، وفي إعْلامِهِ أخْذٌ لِلْخَلْقِ بِأنْ يُعامِلُوا الحَقَّ مُعامَلَةَ مَن يُجِلُّونَهُ مِنَ الخَلْقِ وذَلِكَ عَنْ بَلِيَّةِ ما غَلَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّقَيُّدِ بِما يَرَوْنَ وضَعْفِ الإيمانِ بِما سَمِعُوا أوْ عَلِمُوا.
ولَمّا كانَ في هَذِهِ التَّرْبِيَةِ بَخْسٌ جَرى عَلَيْهِ هَذا الخِطابُ كَما ورَدَ «اسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ كَما تَسْتَحْيِي رَجُلًا جَلِيلًا مِن قَوْمِكَ» قالَ تَعالى: ﴿أوْ أشَدَّ ذِكْرًا﴾ انْتَهى.
أيِ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا أعْلى مِن ذَلِكَ (p-١٥٧)بِأنْ تَذْكُرُوهُ ذِكْرًا أشَدَّ مِن ذِكْرِكم لِآبائِكم لِما لَهُ مِنَ الفَضْلِ العامِّ، ومِمّا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذا الذِّكْرِ أنْ يَأْنَفَ مِن أنْ يَكُونَ لِلَّهِ في عِبادَتِهِ أوْ شَيْءٍ مِن أُمُورِهِ شَرِيكٌ كَما يَسْتَنْكِفُ ابْنٌ أنْ يَكُونَ لِأبِيهِ فِيهِ شَرِيكٌ بَلْ يَكُونُ في أمْرِ الشِّرْكِ أشَدَّ أنَفَةً.
قالَ الحَرالِيُّ: فَرَفْعُ الخِطابِ إلى ما هو ألْيَقُ بِالحَقِّ مِن إيثارِ ما يَرْجِعُ إلَيْهِ عَلى ما يَرْجِعُ إلى الخَلْقِ انْتَهى.
ولَمّا أمَرَ تَعالى بِما أمَرَ مِن ذِكْرِهِ لِذاتِهِ ثُمَّ لِإحْسانِهِ عَلى الإطْلاقِ ثُمَّ قَيَّدَ بِإفْرادِهِ بِذَلِكَ وتَرَكَ ذِكْرَ الغَيْرِ سَبَّبَ عَنْهُ تَقْسِيمَ النّاسِ في قَبُولِ الأمْرِ فَقالَ صارِفًا مِنَ القَوْلِ عَنِ الخِطابِ دَلالَةً عَلى العُمُومِ: ﴿فَمِنَ النّاسِ مَن﴾ تَكُونُ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّهِ فَلا التِفاتَ (p-١٥٨)لَهُ إلى غَيْرِها فَهو ﴿يَقُولُ﴾ أفْرَدَ الضَّمِيرَ رِعايَةً لِلَّفْظِ مِن بِشارَةٍ بِأنَّ الهالِكَ في هَذِهِ الأُمَّةِ إنْ شاءَ اللَّهُ قَلِيلٌ ﴿رَبَّنا﴾ أيُّها المُحْسِنُ إلَيْنا ﴿آتِنا في الدُّنْيا﴾ ومَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ما نُرِيدُ - والحالُ أنَّهُ ”ما لَهُ“ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: فَيُعْطِيهِ ما شاءَ سُبْحانَهُ مِنها لا ما طَلَبَ هُوَ، ولَيْسَ لَهُ ﴿فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ﴾ أيْ نَصِيبٍ لِأنَّهُ لا رَغْبَةَ لَهُ فِيها فَهو لا يَطْلُبُها ولا يَسْعى لَها سَعْيَها.
قالَ الحَرالِيُّ: والخَلاقُ الحَظُّ اللّائِقُ بِالخَلْقِ والخُلُقِ.
﴿ومِنهم مَن﴾ يَجْعَلُ عِبادَتَهُ وحَجَّهُ وسِيلَةً إلى الرَّغْبَةِ إلى رَبِّهِ ويَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى كَما أمَرَ فَهو ﴿يَقُولُ رَبَّنا﴾ بِإحْسانِكَ ﴿آتِنا في الدُّنْيا﴾ حالَةً وعِيشَةً ﴿حَسَنَةً﴾ لا تُوصَلُ بِها إلى الآخِرَةِ عَلى ما يُرْضِيكَ.
قالَ الحَرالِيُّ: وهي الكَفافُ مِنَ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ والمَلْبَسِ (p-١٥٩)والمَأْوى والزَّوْجَةِ عَلى ما كانَتْ لا شَرَفَ فِيها - انْتَهى.
﴿وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ أيْ مِن رَحْمَتِكَ الَّتِي تُدْخِلُنا بِها الجَنَّةَ. ولَمّا كانَ الرَّجاءُ لا يَصْلُحُ إلّا بِالخَوْفِ وإعْطاءُ الحَسَنَةِ لا يَنْفِي المَسَّ بِالسَّيِّئَةِ قالَ: ﴿وقِنا عَذابَ النّارِ﴾ أيْ بِعَفْوِكَ ومَغْفِرَتِكَ.
{"ayahs_start":200,"ayahs":["فَإِذَا قَضَیۡتُم مَّنَـٰسِكَكُمۡ فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَاۤءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرࣰاۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا وَمَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲ","وَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ حَسَنَةࣰ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ"],"ayah":"وَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ رَبَّنَاۤ ءَاتِنَا فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ حَسَنَةࣰ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق