الباحث القرآني

ولَمّا أباحَ تَعالى القِتالَ في كُلِّ مَكانٍ حَتّى في الحَرَمِ وكانَ فِعْلُهُ في الأشْهُرِ الحُرُمِ عِنْدَهم شَدِيدًا جِدًّا ثارَ - العَزْمُ لِلسُّؤالِ عَنْهُ فَقالَ مُعَلِّمًا لَهم ما يَفْعَلُونَ في عُمْرَةِ القَضاءِ إنَّ احْتاجُوا عَلى وجْهٍ عامٍّ: ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ﴾ وهو ذُو القَعْدَةِ مِن سَنَةِ سَبْعٍ إنْ قاتَلْتُمُوهم فِيهِ لِكَوْنِهِمْ قاتَلُوكم في شَهْرٍ حَرامٍ ﴿بِالشَّهْرِ الحَرامِ﴾ الَّذِي قاتَلُوكم فِيهِ وهو ذُو القَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ حَيْثُ صَدُّوكم فِيهِ عَنْ عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ. ولَمّا أشْعَرَ ما مَضى بِالقِصاصِ أفْصَحَ بِهِ عَلى وجْهٍ أعَمَّ فَقالَ: ﴿والحُرُماتُ﴾ أيْ كُلُّها وهي جَمْعُ حُرْمَةٍ وهي ما يُحْفَظُ ويُرْعى ولا يُنْتَهَكُ (p-١١٧)﴿قِصاصٌ﴾ أيْ تَتَبُّعٌ لِلْمُساواةِ والمُماثَلَةِ ﴿فَمَنِ﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ هَذا أنَّهُ مَنِ ﴿اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ أيْ تَعَمَّدَ أذاكم في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ في أيِّ زَمانٍ أوْ مَكانٍ كانَ ﴿فاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ أيْ فَجاوِزُوهُ، سُمِّيَ اعْتِداءَ مُشاكَلَةٍ تَقْوِيَةً لِعَزائِمِهِمْ وتَوْطِينًا لِهِمَمِهِمْ أيِ افْعَلُوا وإنْ سَمّاهُ المُتَعَنِّتُ بِغَيْرِ ما يَحِقُّ لَهُ ﴿بِمِثْلِ ما اعْتَدى﴾ أيْ عُدْوانِهِ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيْ بِمِثْلِ الَّذِي اعْتَدى عَلَيْكم بِهِ، ولَعَلَّهُ أعادَ الظَّرْفَ وإنْ أفْهَمْهُ الأوَّلُ لِدَفْعِ تَعَنُّتِ مَن لَعَلَّهُ يَقُولُ: الكَلامُ شامِلٌ لِاعْتِدائِهِ عَلَيَّ وعَلى غَيْرِي فَلِي أنْ أُقابِلَهُ بِأعْلى ما وقَعَ لَهُ مِن ذَلِكَ، لِأنَّ المُرادَ رَدْعُهُ ولَوْ لَمْ يُرَدَّ الحُكْمُ هَذا لِقَيْدٍ بِما يَنْفِيهِ. ولَمّا جَعَلَ المُماثَلَةَ حَدًّا وكانَ أمْرُها خَفِيًّا والوُقُوفُ عِنْدَهُ بَعْدَ اسْتِرْسالِ النَّفْسِ بِإرْسالِها صَعْبًا حَذَّرَ مِن تَعَدِّيهِ بَعْدَ الإذْنِ في القِصاصِ الَّذِي جَرَّ أغْلَبَهُ (p-١١٨)بِتَسْمِيَتِهِ اعْتِداءً عَلى وجْهٍ نادِبٍ إلى العَفْوِ لِلْمُسْتَبْصِرِ فَقالَ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ أيِ المُحِيطَ عِلْمًا بِكُلِّ شَيْءٍ بِالتَّحَرِّي في القِصاصِ حَتّى لا تَتَجاوَزُوا ﴿واعْلَمُوا﴾ وأظْهَرَ ولَمْ يُضْمِرْ لِئَلّا يُقَيِّدَ بِالتَّقْوى في بابِ الِاعْتِداءِ مَثَلًا فَقالَ: ﴿أنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ مَعَكم إنِ اتَّقَيْتُمْ بِالتَّحَرِّي فِيهِ أوْ بِالعَفْوِ فَإنَّ اللَّهَ ﴿مَعَ المُتَّقِينَ﴾ ومَن كانَ اللَّهُ مَعَهُ أفْلَحَ كُلَّ الفَلاحِ «وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلّا عِزًّا» . قالَ الحَرالِيُّ: فَفي ضِمْنِهِ إشْعارٌ وتَطْرِيقٌ لِمَقْصِدِ السَّماحِ الَّذِي هو خَيْرُ الفَضائِلِ مِن وصْلِ القاطِعِ والعَفْوِ عَنِ الظّالِمِ، ولَمّا كانَ في هَذِهِ (p-١١٩)التَّقْوى خُرُوجٌ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ أعْلَمَهم أنَّهُ تَعالى يَكُونُ عِوَضًا لَهم مِن أنْفُسِهِمْ بِما اتَّقَوْا وداوَمُوا عَلى التَّقْوى حَتّى كانَتْ وصْفًا لَهم فَأعْلَمَهم بِصُحْبَتِهِ لَهُمُ - انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب