الباحث القرآني

ولَمّا حَثَّ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى بَذْلِ المالِ نَدْبًا وإيجابًا في حالِ الصِّحَّةِ والشُّحِّ وتَأْمِيلِ الغِنى وخَشْيَةِ الفَقْرِ تَصْدِيقًا لِلْإيمانِ وأتْبَعَهُ بَذْلَ الرُّوحِ الَّتِي هو عَدِيلُها بِالقَتْلِ الَّذِي هو أحَدُ أسْبابِ المَوْتِ أتْبَعَ ذَلِكَ بَذْلَهُ في حالِ الإشْرافِ عَلى النَّقْلَةِ والأمْنِ مِن فَقْرِ الدُّنْيا والرَّجاءِ لِغِنى الآخِرَةِ اسْتِدْراكًا لِما فاتَ مِن بَذْلِهِ عَلى حُبِّهِ فَقالَ - وقالَ الحَرالِيُّ: لَمّا أظْهَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى وُجُوهَ التَّزْكِيَةِ في هَذِهِ المُخاطَباتِ وما ألْزَمَهُ مِنَ الكِتابِ وعَلَّمَهُ مِنَ الحِكْمَةِ وأظْهَرَ اسْتِنادُ ذَلِكَ كُلِّهِ إلى تَقْوى تَكُونُ وصْفًا ثابِتًا أوِ اسْتِجْدادًا مُعالِجًا حَسَبَ ما خَتَمَ بِهِ آيَةَ ﴿لَيْسَ البِرَّ﴾ [البقرة: ١٧٧] مِن قَوْلِهِ ﴿هُمُ المُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧] وما خَتَمَ بِهِ آيَةَ القِصاصِ في قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٩] رَفْعُ رُتْبَةِ الخِطابِ إلى ما هو حَقٌّ عَلى المُتَّقِينَ حِينَ كانَ الأوَّلُ مَكْتُوبًا عَلى المُتَرَجِّينَ لِأنَّ يَتَّقُوا تَرْبِيَةً وتَزْكِيَةً بِخِطابٍ يَتَوَسَّلُ بِهِ إلى خِطابٍ أعْلى في التَّزْكِيَةِ لِيَنْتَهِيَ في الخِطابِ مِن رُتْبَةٍ إلى رُتْبَةٍ إلى أنْ يَسْتَوْفِيَ نِهاياتِ رُتَبِ أسْنانِ القُلُوبِ وأحْوالِها كَما تَقَدَّمَتِ الإشارَةُ إلَيْهِ، ولَمّا كانَ في الخِطابِ السّابِقِ ذِكْرُ القَتْلِ والقِصاصِ الَّذِي هو (p-٣٤)حالُ حَضْرَةِ المَوْتِ انْتَظَمَ بِهِ ذِكْرُ الوَصِيَّةِ لِأنَّهُ حالُ مَن حَضَرَهُ المَوْتُ، انْتَهى - فَقالَ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ فُرِضَ كَما اسْتَفاضَ في الشَّرْعِ وأكَّدَ هُنا بِعَلى، ثُمَّ نَسَخَ بِآيَةِ المَوارِيثِ وُجُوبَهُ فَبَقِيَ جَوازُهُ، وبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أنَّ الإرْثَ والوَصِيَّةَ لا يَجْتَمِعانِ، فالنَّسْخُ إنَّما هو في حَقِّ القَرِيبِ الوارِثِ لا مُطْلَقًا فَقالَ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلا وصِيَّةَ لِوارِثٍ» رَواهُ أحْمَدُ والأرْبَعَةُ وغَيْرُهم عَنْ عَمْرِو بْنِ خارِجَةَ وأبِي أُمامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ﴿إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾ أيْ بِحُضُورِ أسْبابِهِ وعَلاماتِهِ ﴿إنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ أيْ ما لا يَنْبَغِي أنْ يُوصى فِيهِ قَلِيلًا كانَ أوْ كَثِيرًا، أمّا إطْلاقُهُ عَلى الكَثِيرِ فَكَثِيرٌ، وأُطْلِقَ عَلى القَلِيلِ في ﴿إنِّي لِما أنْـزَلْتَ إلَيَّ مِن خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] ثُمَّ ذَكَرَ القائِمَ مَقامَ فاعِلِ كُتِبَ بَعْدَ (p-٣٥)أنِ اشْتَدَّ التَّشَوُّفُ إلَيْهِ فَقالَ: ﴿الوَصِيَّةُ﴾ وذَكَرَ الفِعْلَ الرّافِعَ لَها لِوُجُودِ الفاصِلِ إفْهامًا لِقُوَّةِ طَلَبِهِ ﴿لِلْوالِدَيْنِ﴾ بَدَأ بِهِما لِشَرَفِهِما وعِظَمِ حَقِّهِما ﴿والأقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ﴾ أيِ العَدْلِ الَّذِي يَتَعارَفُهُ النّاسُ في التَّسْوِيَةِ والتَّفْضِيلِ. قالَ الحَرالِيُّ: وكُلُّ ذَلِكَ في المُحْتَضِرِ، والمَعْرُوفُ ما تَقْبَلُهُ الأنْفُسُ ولا تَجِدُ مِنهُ تَكَرُّهًا - انْتَهى. وأكَّدَ الوُجُوبَ بِقَوْلِهِ: ﴿حَقًّا﴾ وكَذا قَوْلُهُ: ﴿عَلى المُتَّقِينَ﴾ فَهو إلْهابٌ وتَهْيِيجٌ وتَذْكِيرٌ بِما أمامَهُ مِنَ القُدُومِ عَلى مَن يَسْألُهُ عَلى النَّقِيرِ والقِطْمِيرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب