الباحث القرآني
ولَمّا كانَ في بَيانِ هَذِهِ المُحَرَّماتِ الإشارَةُ إلى عَيْبِ مَنِ اسْتَحَلَّها مِنَ العَرَبِ وتَرَكَ ما أُمِرَ بِهِ مِنَ الطَّيِّباتِ جَهْلًا وتَقْلِيدًا تَلاها بِتَكْرِيرِ عَيْبِ الكاتِمِينَ لِما عِنْدَهم مِنَ الحَقِّ مِمّا أُنْزِلَ في كِتابِهِمْ مِن صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ وأمْرِ الحَجِّ وأمْرِ القِبْلَةِ وغَيْرِها مِمّا يُصَدِّقُ هَذا الكِتابَ الَّذِي لا رَيْبَ فِيهِ خَوْفًا عَلى انْقِطاعِ ما كانَ يُهْدى إلَيْهِمْ لِرِئاسَتِهِمْ مِن دِينِهِمْ عَلى وجْهٍ عائِبٍ لَهم لِاسْتِحْلالِهِمْ أكْلَ السُّحْتِ عَلى عِلْمٍ مُبِينٍ أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الذَّمَّ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما نَفْسُ الأكْلِ عَلى هَذا الوَجْهِ المُؤَدِّي إلى الإعْراضِ عَنِ الطَّيِّباتِ والمُوافَقَةِ لِلْعَرَبِ، الثّانِي كَوْنُهُ عَلى كِتْمانِ ما يَعْلَمُونَ مِنَ الحَقِّ فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ (p-٣٥٠)يَكْتُمُونَ﴾ مُؤَكِّدًا لِذَمِّهِمْ بِأنْواعِ التَّأْكِيدِ، ولَقَدْ بَدَعَ إيلاؤُهُ لِصِفَتَيِ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ كَما خَتَمَ آيَةَ الكِتْمانِ الأُولى بِوَصْفَيِ التَّوْبَةِ والرَّحْمَةِ، فَكانَ [مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّرْغِيبِ ] مِن قَبِيلِ الِاحْتِراسِ [أيْ إنَّهُ ] إعانَةٌ لا يُغْفَرُ لِمِثْلِ هَؤُلاءِ إلّا أنِ اتَّصَفُوا بِما أشارَتْ إلَيْهِ الآيَةُ الأُولى مِنَ التَّوْبَةِ. قَوْلُهُ: ﴿ما أنْـزَلَ اللَّهُ﴾ بِإسْنادِ الإنْزالِ إلى اسْمِهِ الأعْظَمِ لِإحاطَةِ الكِتابِ بِمُخْتَلِفاتِ الأحْكامِ ﴿مِنَ الكِتابِ﴾ أيْ: مِن حُدُودِهِ وأحْكامِهِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أشارَتْ إلَيْهِ الآيَةُ الأُولى بِالبَيِّناتِ والهُدى مِنَ الحِكَمِ والأحْكامِ.
ولَمّا كانَ مِنَ الكَتْمِ ما يَكُونُ لِقَصْدِ خَيْرٍ، فَكَمْ مِن كَلِمَةِ حَقٍّ أُرِيدَ بِها باطِلٌ ! قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ويَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: والثَّمَنُ ما لا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ حَتّى يُصْرَفَ إلى غَيْرِهِ مِنَ الأعْواضِ، فالإيعادُ عَلى ما يَتَضَمَّنُ جَهْلَ الكاتِمِ وحِرْصَهُ بِاسْتِكْسابِهِ بِالعِلْمِ وإجْرائِهِ (p-٣٥١)فِي غَيْرِ ما أجْراهُ اللَّهُ تَعالى عَلى ألْسِنَةِ أنْبِيائِهِ ”وما أسْألُكم عَلَيْهِ مَن أجَّرَ“
ولَمّا كانَ كُلُّ ما لَمْ يَثْبُتْ مِن خَيْرِ الدُّنْيا في الآخِرَةِ وإنْ جَلَّ حَقِيرًا قالَ: ﴿قَلِيلا﴾ هَذا المُرادُ لا تَقْيِيدُهُ بِالقَلِيلِ.
ولَمّا كانُوا قَدْ بَعُدُوا عَنْ مُواطِنِ الرَّحْمَةِ بِبُخْلِهِمْ بِما لا يَنْقُصُهُ الإنْفاقُ أشارَ إلَيْهِمْ بِأداةِ البُعْدُ فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ﴾ وفي خِطابِ النَّبِيِّ ﷺ بِهِ إشْعارٌ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِن طائِفَةٍ مِن أُمَّتِهِ حِرْصًا عَلى الدُّنْيا ﴿ما يَأْكُلُونَ﴾ أيْ: في هَذِهِ الحالِ عَلى ما دَلَّتْ عَلَيْهِ ما. ولَمّا كانَ الأكْلُ يُطْلَقُ عَلى مُجَرَّدِ الإفْسادِ حَقَّقَ مَعْناهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي بُطُونِهِمْ﴾ جَمْعُ بَطْنٍ وهو فَضاءُ جَوْفِ الشَّيْءِ الأجْوَفِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ ظاهِرِهِ الَّذِي هو ظَهْرُ ذَلِكَ البَطْنِ ﴿إلا النّارَ﴾ كَما أحاطَ عِلْمُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بِالغَيْبِ إنَّ ذَلِكَ عَلى الحَقِيقَةِ وبَصَرَهُ لِعُيُونِ أهْلِ الكَشْفِ الَّذِينَ يَرَوْنَ العَواقِبَ في الأوائِلِ والغَيْبَ في الشَّهادَةِ، وفي ذِكْرِهِ بِصِيغَةِ الحَصْرِ نَفْيٌ لِتَأْوِيلِ المُتَأوِّلِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا وصَرْفٌ لَهُ إلى وجْهِ التَّحْقِيقِ الَّذِي يَنالُهُ (p-٣٥٢)الكَشْفُ ويَقْصُرُ عَنْهُ الحِسُّ، فَكانُوا في ذَلِكَ كالحَذِرِ الَّذِي يَجْعَلُ يَدَهُ في الماءِ الحارِّ ولا يُحِسُّ بِهِ فَيَشْعُرُ ذَلِكَ بِمَوْتِ حَواسِّ هَؤُلاءِ عَنْ حالِ ما تَناوَلُوهُ.
ولَمّا قَدَّمَ الوَعِيدَ في الثَّمَنِ لِكَوْنِهِ الحامِلَ عَلى الكَتْمِ أتْبَعَهُ وعِيدَ نَفْسِ الكَتْمِ فَقالَ: ﴿ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ أيِ: المَلِكُ الأعْظَمُ الَّذِي مَن كَلَّمَهُ أقْبَلَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ كَلامًا يَدُلُّ عَلى مَرْضى لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُكَلِّمُوا النّاسَ بِما كُتِبَ عَلَيْهِمْ وقالَ: ﴿يَوْمَ القِيامَةِ﴾ تَأْكِيدًا لِما أشارَتْ إلَيْهِ ما مِن أنَّ المُرادَ بِالَّذِي قَبْلَهُ الحالُ ﴿ولا يُزَكِّيهِمْ﴾ أيْ: يُطَهِّرُهم مِن دَنَسِ الذُّنُوبِ أوْ يُثْنِي عَلَيْهِمْ أوْ يُنَمِّي أعْمالَهم بِما يَحْصُلُ لَهم مِنَ المِيثاقِ في يَوْمِ التَّلاقِ كَما يُزَكِّي بِذَلِكَ مَن يَشاءُ مِن عِبادَةٍ لِأنَّهم كَتَمُوا عَنِ العِبادِ ما يُزَكِّيهِمْ وفي هَذا تَعْظِيمٌ لِذَنْبٍ كَتَمُوا العِلْمَ ﴿ولَهُمْ﴾ مَعَ هَذا العَذابِ ﴿عَذابٌ ألِيمٌ﴾ لِما أوْقَعُوا فِيهِ النّاسَ مِنَ التَّعَبِ بِكَتْمِهِمْ عَنْهم ما يُقِيمُهم عَلى المَحَجَّةِ السَّهْلَةِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلًا أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا یَأۡكُلُونَ فِی بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا یُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَلَا یُزَكِّیهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق