الباحث القرآني
﴿وقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ وهُمُ الأذْنابُ مُتَمَنِّينَ لِلْمُحالِ نَدَمًا عَلى اتِّباعِ مَن لا يَنْفَعُ حَيْثُ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ ﴿لَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً﴾ أيْ: رَجْعَةً (p-٣١١)إلى الدُّنْيا. وقالَ الحَرالِّيُّ: هي رَجْعٌ وعَوْدَةٌ عِنْدَ غايَةِ فُرَّةٍ. انْتَهى. ولَمّا كانَتْ ”لَوْ“ بِمَعْنى التَّمَنِّي نُصِبَ جَوابُها فَقالَ ﴿فَنَتَبَرَّأ مِنهُمْ﴾ أيِ: الرُّؤَساءُ هُناكَ ونُذِلُّهم ﴿كَما تَبَرَّءُوا مِنّا﴾ وأذَلُّونا هُنا.
وقالَ الحَرالِّيُّ: فِيهِ إنْباءٌ عَنْ تَأسُّفِهِمْ عَلى اتِّباعِ مَن دُونَ رَبِّهِمْ مِمَّنِ اتُّبِعُوا وإجْراءٌ لِتَأسُّفِهِمْ عَلى وجْهٍ مُتَوَهَّمٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ عَلى حَدِّ ما كانَ تَمَسُّكُهم بِهِمْ مُتَوَهَّمُ انْتِفاعٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ، فَفِيهِ إثْباتٌ لِحالِهِمْ في الآخِرَةِ عَلى ما كانَ يَنالُهم في الدُّنْيا مِنَ الأخْذِ بِالمَوْهُومِ والغَيْبَةِ عَنِ المَعْلُومِ. انْتَهى.
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الأشْياءُ بَعْضُها ثَمَرَةُ أعْمالِهِمْ وبَعْضُها حِكايَةُ أقْوالِهِمْ قالَ تَعالى: عَلى طَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ جَوابًا لِمَن يَقُولُ: لَقَدْ رَأوْا جَزاءَ عَقائِدِهِمْ فَهَلْ يَرَوْنَ جَزاءَ أعْمالِ الجَوارِحِ ﴿كَذَلِكَ﴾ أيِ: الأمْرُ الفَظِيعُ المَهُولُ ﴿يُرِيهِمُ اللَّهُ﴾ الَّذِي لَهُ القُدْرَةُ التّامَّةُ والعَظَمَةُ الكامِلَةُ ﴿أعْمالَهُمْ﴾ الخَبِيثَةَ وغَيْرَها ﴿حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ: تَلَهُّفًا عَلى ما فاتَ، إطْلاقًا لِلْمُسَبَّبِ عَلى السَّبَبِ وأشارَ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ إلى غَلَبَتِهِمْ وشَدَّةِ هَوانِهِمْ فَقالَ: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وقالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا كانَتْ عَقائِدُهم فِيهِمْ حَسَراتٍ أراهم أعْمالَهُمُ الَّتِي عَمِلُوها لِابْتِغاءِ الخَيْرِ في الدُّنْيا حَسَراتٍ ﴿وقَدِمْنا إلى (p-٣١٢)ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا﴾ [الفرقان: ٢٣] كَما كانَ عَمَلُ مَن قَلْبُهُ مُحِبٌّ ومُتَألِّهٌ لِما دُونَ اللَّهِ، وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ عَمَلَ كُلِّ عامِلٍ مَرْدُودٌ إلى ما اطْمَأنَّ بِهِ قَلْبُهُ وسَكَنَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وتَعَلَّقَ بِهِ خَوْفُهُ ورَجاؤُهُ، فَمَن غَلَبَ عَلى سِرِّهِ شَيْءٌ فَهو رَبُّهُ الَّذِي يُصْرَفُ عَمَلُهُ إلَيْهِ، فَلا يَجِدُ عِنْدَهُ جَزاءً لِتَبَرُّؤِهِ مِنهُ فَيَصِيرُ حَسْرَةً عَلَيْهِ، فَأنْبَأ سُبْحانَهُ وتَعالى بِأنَّهم لا يَنْصُرُونَهم في الآخِرَةِ ولا يَجْزُونَهم عَلى أعْمالِهِمْ، فَلَمْ يَنْفَعْهم تَألُّهُهم إيّاهم، والمَتْبُوعُ مِنهم مُتَألِّهٌ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَها جَزاءَ عَمَلِهِ، فَتَحَسَّرَ كُلٌّ مِنهم عَلى ما عَمِلَ مِن عَمَلِ الخَيْرِ لِإحْباطِهِ ﴿ولَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] والحَسْرَةُ أشَدُّ الأسَفِ عَلى الفائِتِ الَّذِي يَحْسَرُ المُتَلَهِّفُ أيْ: يَقْطَعُهُ عَمّا تَحَسَّرَ عَلَيْهِ. انْتَهى. ويَدْخُلُونَ بِأعْمالِهِمُ النّارَ ﴿وما هُمْ﴾ أيْ: بِفائِتِ خُرُوجِهِمْ بَلْ هم وإنْ خَرَجُوا مِنَ (p-٣١٣)السَّعِيرِ إلى الزَّمْهَرِيرِ يَعُودُونَ إلَيْهِ ﴿بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ يَوْمًا مِنَ الأيّامِ ولا ساعَةً مِنَ السّاعاتِ بَلْ هم خالِدُونَ فِيها عَلى طُولِ الآبادِ ومَرِّ الأحْقابِ، بِخِلافِ عُصاةِ المُؤْمِنِينَ فَإنَّهم إذا خَرَجُوا مِنها لَمْ يَعُودُوا إلَيْها. قالَ الحَرالِّيُّ: وفِيهِ إشْعارٌ بِقَصْدِهِمُ الفِرارَ مِنها والخُرُوجَ كَما قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فِيها﴾ [السجدة: ٢٠] فَأنْبَأ تَعالى أنَّ وُجْهَتَهم لِلْخُرُوجِ لا تَنْفَعُهم، فَلَمْ تَبْقَ لَهم مِنَةٌ تُنْهِضُهم مِنها حَتّى يَنْتَظِمَ قَطْعُ رَجائِهِمْ مِن مِنَةِ أنْفُسِهِمْ بِقَطْعِ رَجائِهِمْ مِمَّنِ اعْتَلَقُوا بِهِ مِن شُرَكائِهِمْ ولَمْ يَكُنْ ﴿وما هم مِنها بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: ٤٨] كَما قالَ في أهْلِ الجَنَّةِ لِلْإشْعارِ بِأنَّ اليَأْسَ والِانْقِطاعَ واقِعٌ مِنهم عَلى أنْفُسِهِمْ، فَكَما كانَ بِوادِي أعْمالِهِمْ في الدُّنْيا مِن أنْفُسِهِمْ عِنْدَهم جَرى نَبَأُ جَزائِها عَلى حَدِّ ذَلِكَ في المَعْنى كَما قالَ: أعْمالُ أهْلِ الجَنَّةِ عِنْدَهم مِن تَوْفِيقِ رَبِّهِمْ جَرى ذِكْرُ جَزائِهِمْ عَلى حَدِّ ذَلِكَ مِنَ المَعْنى بِحَسَبِ ما يَقْتَضِيهِ اخْتِلافُ الصِّيغَتَيْنِ. انْتَهى.
ولَعَلَّ الآيَةَ ناظِرَةٌ إلى قَوْلِهِ أوَّلَ (p-٣١٤)السُّورَةِ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ وما هم بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٨] يَعْنِي كَما أنَّ في أهْلِ الكِتابِ مُنافِقِينَ ومُصارَحِينَ فَكَذَلِكَ في العَرَبِ، فَصارَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: ٦] شامِلًا لِلْأقْسامِ الأرْبَعَةِ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ المُنافِقِينَ مِنَ العَرَبِ ثُمَّ المُنافِقِينَ والمُشاقِقِينَ مِن أهْلِ الكِتابِ ثُمَّ المُجاهِرِينَ مِنَ العَرَبِ فَصارَ قِسْما العَرَبِ مُكْتَنِفَيْنِ لِقِسْمَيْ أهْلِ الكِتابِ إشارَةً إلى أنَّهُمُ المَقْصُودُونَ بِالذّاتِ وأنَّهُ سَيُؤْمِنُ أكْثَرُهم ويَغْلِبُونَ أهْلَ الكِتابِ ويَقْتُلُونَهم قَتْلَ الكِلابِ.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوا۟ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةࣰ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُوا۟ مِنَّاۗ كَذَ ٰلِكَ یُرِیهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ حَسَرَ ٰتٍ عَلَیۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِینَ مِنَ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











