الباحث القرآني
ولَمّا خَتَمَ الآياتِ الآمِرَةَ بِاسْتِقْبالِ البَيْتِ في الصَّلاةِ بِالأمْرِ بِالشُّكْرِ ومُجانَبَةِ الكُفْرِ وكانَ ذَلِكَ رَأْسَ العِبادَةِ وفاعِلُهُ شَدِيدُ الِافْتِقارِ إلى المَعُونَةِ التَفَتَ إلى قَوْلِهِ تَعالى في أُمِّ الكِتابِ: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] فَأمَرَهم بِما تَضَمَّنَ ذَلِكَ مِنَ الصَّبْرِ والصَّلاةِ ﴿إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] عالِمًا بِأنَّهم سَيَمْتَثِلُونَ حَيْثُ عَصى بَنُو إسْرائِيلَ حِينَ أمْرَهم بِمِثْلِ ذَلِكَ في أوَّلِ قِصَصِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣] إلى أنْ قالَ: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلا عَلى الخاشِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٥] فَكانَ في ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّهم [هُمُ ] الخاشِعُونَ وحَسُنَ مَوْقِعُ هَذِهِ الآيَةِ كَوْنُها بَعْدَ أذى أهْلِ الكِتابِ بِنَسَبِهِمْ لَهم إلى بُطْلانِ الدِّينِ بِتَغْيِيرِ الأحْكامِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِن (p-٢٤٦)[مَرِّ ] الكَلامِ كَما في الآيَةِ الأُخْرى ﴿ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا أذًى كَثِيرًا وإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦] وكَوْنُها عَقِبَ الأمْرِ بِالذِّكْرِ والشُّكْرِ إيماءً إلى أنَّ مِلاكَ كُلٍّ مِنهُما الصَّبْرُ والصَّلاةُ فَكَأنَّهُ قِيلَ: لا تَلْتَفِتُوا إلى طَعْنِ الطّاعِنِينَ في أمْرِ القِبْلَةِ فَيَشْغَلَكم ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِي وشُكْرِي بَلِ اصْبِرُوا وصَلُّوا إلَيَّ مُتَوَجِّهِينَ إلى القِبْلَةِ الَّتِي أمَرْتُكم بِها عالِمِينَ أنَّ الصَّبْرَ والصَّلاةَ نِعْمَ العَوْنُ عَلى كُلِّ ما يَنُوبُ مِن دِينٍ ودُنْيا، وأرْشَقُ مِن هَذا أنْ يُقالَ: ولَمّا عُلِمَ مِن هَذِهِ الآياتِ إعْضالُ ما بَيْنَهم وبَيْنَ السُّفَهاءِ وأمَرَهم بِالدَّواءِ المُنْجِحِ مِنَ الإعْراضِ عَنْهم والإقْبالِ عَلى ذِكْرِهِ وشُكْرِهِ أتْبَعَ ذَلِكَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ الأمْرَ يَصِلُ [إلى ] أشَدِّ مِمّا تَوَهَّمُوهُ فَقالَ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ مُخاطِبًا لَهم عَلى وجْهٍ (p-٢٤٧)يَشْمَلُ الكامِلَ ﷺ ولَعَلَّهُ صَرَفَ الخِطابَ عَنْهُ لِما في السِّياقِ مِمّا يَحْمِي عَنْهُ ﷺ مَقامَهُ العالِيَ ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾ أيْ: عَلى ما تَلْقَوْنَ مِنهم وعَلى الإقْبالِ إلَيَّ لِأكْفِيَكم كُلَّ مُهِمٍّ ﴿والصَّلاةِ﴾ فَإنَّها أكْبَرُ مُعِينٍ لِأنَّها أجْمَعُ العِباداتِ، فَمَن أقْبَلَ بِها عَلى مَوْلاهُ حاطَهُ وكَفاهُ لِإعْراضِهِ عَنْ كُلِّ ما سِواهُ، لِأنَّ ذَلِكَ شَأْنُ كُلِّ كَبِيرٍ فِيمَن أقْبَلَ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَيْهِ.
ولَمّا كانَتِ الصَّلاةُ لا تَقُومُ إلّا بِالصَّبْرِ اقْتَصَرَ عَلى التَّعْلِيلِ بِهِ فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ ﴿مَعَ الصّابِرِينَ﴾ أيْ: ومَعْلُومٌ أنَّ مَن كانَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مَعَهُ فازَ. قالَ الحَرالِّيُّ: وأيْسَرُ الصَّبْرِ صَبْرُ النَّفْسِ عَنْ كَسَلِها بِأخْذِها بِالنَّشاطِ فِيما كُلِّفَتْ بِهِ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا ما آتاها﴾ [الطلاق: ٧] و﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَمَتى يَسَّرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلَيْها الجِدَّ والعَزِيمَةَ جَعَلَ لَها فِيما كانَتْ تَصْبِرُ عَلَيْهِ في الِابْتِداءِ الِاسْتِحْلاءَ فِيهِ وخَفَّتْ عَنْها وظِيفَةُ الصَّبْرِ، ومَتى لَمْ تَصْبِرْ عَنْ كَسَلِها وعَلى جِدِّها تَدَنَّسَتْ فَنالَها عُقُوباتٌ يَكُونُ الصَّبْرُ عَلَيْها أشَدَّ (p-٢٤٨)مِنَ الصَّبْرِ الأوَّلِ، كَما أنَّ [مَن ] صَبَرَ عَنْ حُلْوِ الطَّعامِ لَمْ يَحْتَجْ أنْ يَصْبِرَ عَلى مُرِّ الدَّواءِ، فَإنْ تَحَمَّلَتِ الصَّبْرَ عَلى عُقُوباتِ ضَياعِ الصَّبْرِ الأوَّلِ تَدارَكَها نَجاةٌ مِنَ اشْتِدادِ العُقُوبَةِ عَلَيْها، وإنْ لَمْ تَتَصَبَّرْ عَلى تِلْكَ العُقُوباتِ وقَعَتْ في مَهالِكِ شَدائِدِ العَذابِ فَقِيلَ لِأهْلِها ﴿فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الطور: ١٦] ثُمَّ قالَ: فَبِدايَةُ الدِّينِ صَبْرٌ وخاتِمَتُهُ يُسْرٌ، فَإنَّ مَن كانَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مَعَهُ رَفَعَ عَنْهُ مَرارَةَ الصَّبْرِ بِوَضْعِ حَلاوَةِ الصُّحْبَةِ الَّتِي تُشْعِرُ بِها كَلِمَةُ [مَعَ ] . انْتَهى.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











