الباحث القرآني
﴿ومِن حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ أيْ: مِن بِقاعِ الأرْضِ لِلصَّلاةِ بِأُمَّتِكَ ﴿فَوَلِّ وجْهَكَ﴾ أيِ: اجْعَلْهُ يَلِي ﴿شَطْرَ﴾ أيْ: عَيْنَ ﴿المَسْجِدِ الحَرامِ﴾
ولَمّا تَقَرَّرَ بِما تَكَرَّرَ أنَّ هَذا التَّحْوِيلَ فَرْضٌ قِي حَقِّهِ ﷺ حَتْمٌ لا فُتُورَ عَنْهُ ولا رُخْصَةَ فِيهِ إلّا ما اسْتَثْنى في النَّفْلِ أدْخَلَ مَعَهُ أُمَّتَهُ لِيَعُمَّهُمُ الحُكْمُ ورَبَأ بِمَنصِبِهِ المَنِيفِ وقَدْرِهِ الشَّرِيفِ عَنْ أنْ يَكُونَ لِأحَدٍ عَلَيْهِ ما يُسَمّى حُجَّةً بِحَقٍّ أوْ باطِلٍ فَقالَ: ﴿وحَيْثُ ما كُنْتُمْ﴾ أيْ: أيَّتُها الأُمَّةُ مِن جَمِيعِ جِهاتِ الكَعْبَةِ في جَمِيعِ أقْطارِ الأرْضِ الدّانِيَةِ والقاصِيَةِ. قالَ الحَرالِّيُّ: وذُكِرَ في أُمَّتِهِ بِالكَوْنِ لا بِالخُرُوجِ إشْعارًا يَتَقاصَرُ الأُمَّةُ عَنْ عُلُوِّ أحْوالِ الأئِمَّةِ وأنَّ حالَ الأُمَّةِ في خَلْوَتِهِمْ كَحالِهِمْ في جَوْلَتِهِمْ. انْتَهى.
﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ أيِ: اجْعَلُوها والِيَةً ﴿شَطْرَهُ﴾ لِلصَّلاةِ. قالَ الحَرالِّيُّ: وفِيهِ إشْعارٌ يَلْحَظُ صِحَّةَ صَلَواتِكم فُرادى وفي بُيُوتِكم، كَما قالَ: إذا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النّاسِ وإنْ كُنْتَ (p-٢٣٥)قَدْ صَلَّيْتَ في أهْلِكَ، بِخِلافِهِ هو ﷺ فَإنَّ صَلاتَهُ لا تَقَعُ إلّا جَمْعًا مِن حَيْثُ إنَّهُ يُصَلِّي لَهم وأنَّهُ إمامٌ لا تَقَعُ صَلاتُهُ فَذًّا. انْتَهى.
ولَمّا كانَ رُبَّما ظُنَّ أنَّ الرُّجُوعَ إلى القِبْلَةِ الأُولى يُزِيلُ الكَلامَ بَيَّنَ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّ الأمْرَ بِخِلافِ ذَلِكَ فَقالَ: ﴿لِئَلا يَكُونَ لِلنّاسِ﴾ أيْ: لِأحَدٍ مِنهم ﴿عَلَيْكم حُجَّةٌ﴾ بِأنْ يَقُولُوا: النَّبِيُّ المُبَشَّرُ بِهِ يَسْتَقْبِلُ بَيْتَ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ثُمَّ لا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ وهَذا لَمْ يَفْعَلْ، أوْ يَقُولُوا: ما جاءَ بِشَيْءٍ جَدِيدٍ وإنَّما هو تَبَعٌ لَنا في قِبْلَتِنا.
ولَمّا كانَتِ الحُجَّةُ كَلامًا يَنْشَأُ عَنْ مُقَدِّماتٍ يَقِينِيَّةٍ مُرَكَّبَةٍ تَرْكِيبًا صَحِيحًا وقَعَ الِاسْتِثْناءُ بِاعْتِبارِ تَلَبُّسِ المُسْتَثْنى بِجُزْءِ المَعْنى الَّذِي نُفِيَ عَنِ المُسْتَثْنى مِنهُ بِدَلالَةِ التَّضَمُّنِ فَهو قَرِيبٌ مِنَ الِاسْتِخْدامِ فَقالَ: ﴿إلا الَّذِينَ﴾ أيِ: النّاسُ الَّذِينَ ﴿ظَلَمُوا مِنهُمْ﴾ فَإنَّهم لِعِنادِهِمْ ولَدَدِهِمْ لا يَرْجِعُونَ (p-٢٣٦)إلى الحَقِّ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ بَلْ يَكُونُ لَهم عَلَيْكم مُجَرَّدُ كَلامٍ هو مادَّةُ الحُجَّةِ لا حُجَّةٌ بِما دَلَّ عَلَيْهِ وصْفُهم بِالظُّلْمِ الَّذِي هو وضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَحَلِّهِ كَما هو شَأْنُ كُلِّ ماشٍ في مَأْخَذِ الِاشْتِقاقِ الَّذِي هو الظَّلامُ، ويَكُونُ الِاسْتِثْناءُ عَلى هَذا مُنْقَطِعًا بِمَعْنى: لِئَلّا يَحْتَجَّ أحَدٌ عَلَيْكم لَكِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا يَقُولُونَ أوْ يُظْهِرُونَ فُجُورًا ولَدَدًا في ذَلِكَ كَلامًا يُسَمُّونَهُ حُجَّةً، ولَعَلَّ السِّرَّ في تَصْوِيرِهِ عَلى تَقْدِيرِ الِانْقِطاعِ بِصُورَةِ الِاسْتِثْناءِ الحَثُّ عَلى الثَّباتِ عَلى أمْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى والإعْراضُ عَمَّنْ خالَفَهُ نَظَرًا إلى ما تَأصَّلَ مِن إبْطالِهِ واسْتِحْضارًا لِما ظَهَرَ مِن فاسِدِ أحْوالِهِ وإنْ أبْدى مِنَ الشُّبَهِ ما يَخْفى أمْرُهُ ويَصْعُبُ عَلى بَعْضِ المُحِقِّينَ حَلُّهُ حَتّى يُظَنَّ حُجَّةً؛ ويَجُوزَ أنْ يُرادَ بِالحُجَّةِ أعَمُّ مِنَ القَطْعِيِّ والظَّنِّيِّ فَيَكُونُ الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلًا، قالَ السَّفاقِسِيُّ: ومَثارُ الخِلافِ هَلِ الحَجَّةُ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ والِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ أوِ الِاحْتِجاجُ والخُصُومَةُ فَهو مُتَّصِلٌ. انْتَهى. ووَصْفُها بِالِاسْتِعْلاءِ عَلَيْهِمْ لِما يَحْصُلُ بِها مِن (p-٢٣٧)الأذى بِدَلالَتِها عَلى العَداوَةِ والشِّقاقِ لا بِتَغْيِيرِها في وجْهِ شَيْءٍ مِنَ الأدِلَّةِ، و﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إنْ أُرِيدَ بِهِمُ اليَهُودُ فَهم يَقُولُونَ: ما رَجَعَ إلى الكَعْبَةِ إلّا مَحَبَّةً لِبَلَدِهِ، ولَوْ كانَ في قِبْلَتِنا عَلى أمْرٍ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ ما تَحَوَّلَ عَنْهُ، وإنْ كانَ المُشْرِكِينَ فَهم يَقُولُونَ: قَدِ اسْتَقْبَلَ بَلَدَكم ومَسْجِدَكم فَيُوشِكُ أنَّ يَدِينَ دِينَكم. ولَمّا نَفى عَنْ أهْلِ هَذِهِ القِبْلَةِ بِالثَّباتِ عَلَيْها كُلَّ سَبِيلٍ تَسَبَّبَ عَنْهُ قَوْلُهُ: ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ﴾ أيْ: في هَذا الأمْرِ ولا غَيْرِهِ، فَإنِّي أرُدُّ عَنْكم كَيْدَهم وأُوهِنُ أمْرَهم. ولَمّا تَبَيَّنَ أحْكامُ فِعْلِهِ ومَضى ما يُرِيدُ مِن رَبْطِهِ وحَلِّهِ حَثَّهم عَلى لُزُومِ هَذِهِ القِبْلَةِ مُحَذِّرًا مِن مُخالَفَتِهِ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ فَقالَ: ﴿واخْشَوْنِي﴾ ثُمَّ عَطَفَ عَلى عِلَّةِ الِاسْتِقْبالِ قَوْلَهُ: ﴿ولأُتِمَّ﴾ أيْ: بِهَذا الدِّينِ المُفِيدِ لِعِزِّ الدّارَيْنِ (p-٢٣٨)ونَعِيمِها الَّذِي مِن جُمْلَتِهِ هَذا الِاسْتِقْبالُ ﴿نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الحُجَجِ وغَيْرِهِ مِن أُمُورِ الدِّينِ حِينَ أنْزَلَ عَلَيْكم آيَةَ ﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] كَما أتْمَمْتُها عَلى إبْراهِيمَ خَلِيلِي صاحِبِ هَذا البَيْتِ الَّذِي وجَّهْتُكم إلَيْهِ. قالَ الحَرالِّيُّ: وفي طَيِّهِ بُشْرى بِفَتْحِ مَكَّةَ واسْتِيلائِهِ عَلى جَزِيرَةِ العَرَبِ كُلِّها وتَمَكُّنِهِ بِذَلِكَ مِن سائِرِ أهْلِ الأرْضِ لِاسْتِغْراقِ الإسْلامِ لِكافَّةِ العَرَبِ الَّذِينَ فَتَحَ اللَّهُ بِهِمْ لَهُ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبِها الَّتِي انْتَهى إلَيْها مُلْكُ أُمَّتِهِ. انْتَهى.
﴿ولَعَلَّكم تَهْتَدُونَ﴾ أيْ: ولِتَكُونُوا عَلى رَجاءٍ عِنْدَ أنْفُسِكم ومَن يَراكم مِمَّنْ لا يَعْلَمُ العَواقِبَ مِن أنْ تَهْتَدُوا إلى الثَّباتِ عَلى هَذِهِ القِبْلَةِ وغَيْرِها مِن أمْرِ هَذا الدِّينِ سَبَبِ خَشْيَتِي فَإنَّها جالِبَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ ودافِعَةٌ لِكُلِّ ضَيْرٍ. قالَ الحَرالِّيُّ: وفي كَلِمَةِ ”لَعَلَّ“ عَلى ما تَقَدَّمَ إبْهامٌ يُشْعِرُ بِتَصْنِيفِهِمْ صِنْفَيْنِ: مُهْتَدٍ لِلثَّباتِ عَلى السَّنَةِ، ومُتَغَيِّرٌ فِيهِ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ البِدْعَةِ، لِما ذَكَرَ مِن أنَّ ما هو لِلْخَلْقِ تَرَدَّدٌ فَهو مِنَ الحَقِّ تَقْسِيمٌ وإبْهامٌ في تَعْيِينِ ذَلِكَ التَّقْسِيمِ والتَّصْنِيفِ، فَفِيهِ إعْلامٌ لِقَوْمٍ بِالِاهْتِداءِ الدّائِمِ بِما تُفْهِمُهُ صِيغَةُ الدَّوامِ وإشْعارٌ بِانْقِطاعِ (p-٢٣٩)قَوْمٍ عَنْ ذَلِكَ التَّمادِي بِما يُفْهِمُهُ ما هو لِلْخَلْقِ بِمَوْضِعِ التَّرَجِّي، وفي طَيِّهِ إشْعارٌ بِاسْتِبْدادِهِمْ بِالأمْرِ بَعْدَ وفاةِ النَّبِيِّ ﷺ وانْقِسامُهم فِيهِ بَيْنَ ثابِتٍ عَلَيْهِ دائِمِ الِاهْتِداءِ فِيهِ ومُتَغَيِّرٍ عَنْهُ كَما ظَهَرَ فِيما كانَ مِن ثَباتِ مَن ثَبَتَ بَعْدَهُ ورِدَّةِ مَنِ ارْتَدَّ. انْتَهى.
{"ayah":"وَمِنۡ حَیۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَیۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ لِئَلَّا یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَیۡكُمۡ حُجَّةٌ إِلَّا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِی وَلِأُتِمَّ نِعۡمَتِی عَلَیۡكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق