الباحث القرآني
ولَمّا بَيَّنَ أنَّ أحَدًا مِن هَؤُلاءِ الفِرَقِ لا يَتَّبِعُ قِبْلَةَ الآخَرِ وتَضَمَّنَ ذَلِكَ أنَّ لِكُلٍّ مِنهم قِبْلَةً وقَرَّرَ أنَّ ذَلِكَ مِن أهْلِ الكِتابِ عَلى وجْهِ العِنادِ أثْبَتَ ما تَضَمَّنَهُ الكَلامُ السّابِقُ عَلى وجْهٍ أعَمَّ مِنهُ وسَبَّبَ عَنْهُ النَّتِيجَةَ فَقالَ تَعالى: ﴿ولِكُلٍّ﴾ أيْ: لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَ المَذْكُورِينَ وغَيْرِهِمْ ﴿وِجْهَةٌ﴾ أيْ: مَقْصِدٌ يَقْصِدُهُ ويُوَجِّهُ وجْهَهُ إلَيْهِ ويُقْبِلُ بِقَلْبِهِ عَلَيْهِ مِنَ القِبْلَةِ لِلصَّلاةِ وغَيْرِها مِن جَمِيعِ المَقاصِدِ ﴿هُوَ مُوَلِّيها﴾ إنْ كُسِرَ اللّامُ كانَ المَعْنى هو مُتَوَلِّيها أيْ: فاعِلٌ التَّوَلِّيَ أيْ: مائِلٌ إلَيْها بِوَجْهِهِ لِأنَّ المادَّةَ تَدُورُ بِكُلِّ تَرْتِيبٍ عَلى المَيْلِ كَما يَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في (p-٢٣٠)آخِرِ الأنْفالِ، فَيَكُونُ ولِيَ بِمَعْنى تَوَلّى كَقَدِمَ بِمَعْنى تَقَدَّمَ، ومِنَ المَعْلُومِ الفَرْقُ بَيْنَ تَوَلّاهُ وتَوَلّى عَنْهُ، وإنْ فُتِحَ فالمَعْنى: هو مُمالٌ إلَيْها.
قالَ الحَرالِّيُّ: وفي قِراءَةِ مُوَلِّيها - بِالكَسْرِ - إشْعارٌ بِاخْتِلافِ جِبِلّاتِ أهْلِ المِلَلِ وإقامَةِ كُلِّ طائِفَةٍ مِنهم بِما جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وفي قِراءَةِ ”مُوَلّاها“ إظْهارُ حَقِيقَةِ ذَلِكَ وأنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنهم بَلْ بِما أقامَهم فِيهِ المُوَلّى لَهم حَيْثُ شاءَ، وأبْهَمَ فِيهِ المُوَلّى لِما كانَ في طَوائِفَ مِنهم حَظُّ هَوًى، وهو مِنَ التَّوْلِيَةِ وهو ما يُجْعَلُ مِمّا يَلِي الجَسَدَ، أوِ القَصْدُ أيْ: يَكُونُ مَيّالًا بَيْنَ يَدَيْهِ مُلاصِقًا لَهُ. انْتَهى.
ولَمّا كانَ فِعْلُهم هَذا إنَّما هو لِأجْلِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وخَلاصِها وكانَ ذَلِكَ لا يَحْصُلُ إلّا بِفِعْلِ الخَيْرِ واجْتِنابِ الشَّرِّ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ﴾ أيْ: فاجْعَلُوا أنْتُمْ مَقْصِدَكم أنْواعَ الخَيْرِ مِنَ القِبْلَةِ (p-٢٣١)وغَيْرِها وتَسابَقُوا في قَصْدِكم إلَيْها، أيْ: كانُوا في المُبادَرَةِ إلى أفْعالِ الخَيْرِ كَمَن يُسابِقُ خَصْمًا فَهو يَجْتَهِدُ في سَبْقِهِ، فَإنَّ الِاسْتِباقَ تَكَلُّفُ السَّبْقِ والسَّبْقُ بُرُوزُ أحَدِ المُتَحارِبَيْنِ، ثُمَّ حَثَّهم عَلى ذَلِكَ وحَذَّرَهم مِن تَرْكِهِ بِقَوْلِهِ عَلى وجْهِ التَّعْلِيلِ: ﴿أيْنَ ما تَكُونُوا﴾ أيْ: مِنَ الجِهاتِ الَّتِي اسْتَبَقْتُمْ إلَيْها الحِسِّيَّةِ والمَعْنَوِيَّةِ ﴿يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾ أيِ: المَلِكُ الأعْظَمُ ﴿جَمِيعًا﴾ مِنها إلَيْهِ في يَوْمِ البَعْثِ، ثُمَّ عَلَّلَ هَذِهِ العِلَّةَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وفي ذِكْرِ البَعْثِ هُنا مُعادَلَةٌ بَيْنَ القِبْلَتَيْنِ: قِبْلَةِ أهْلِ الفَضْلِ الأُمَّةِ الوَسَطِ الَّتِي جُعِلَتْ مَحَلَّ الأمْنِ، والقِبْلَةِ الأُولى، قالَ الحَرالِّيُّ: مِن حَيْثُ يَرِدُ الخَلْقُ في البَعْثِ إلى مَوْطِنِ القِبْلَةِ السّابِقَةِ مِن أرْضِ الشّامِ، فَيَكُونُ مَوْطِنُ الحَقِّ والعَدْلِ أُولى القِبْلَتَيْنِ بِذَلِكَ، لِأنَّ أعْلى القِبْلَتَيْنِ مَوْطِنُ أمَنَةٍ مِن حَيْثُ إنَّ مَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا، فَكانَ (p-٢٣٢)المَحْشَرُ إلى قِبْلَتِهِمُ الأُولى الَّتِي هي بِدايَةُ الأمْرِ لِيُطابِقَ الآخَرَ مِنَ القِبْلَتَيْنِ الأُولى مِن حَيْثُ كانَ الآخَرُ في الدُّنْيا لِلْفَضْلِ والأوَّلُ في الآخَرِ لِلْعَدْلِ ومِنَ الدَّعْوَتَيْنِ مِن حَيْثُ كانَتِ الدَّعْوَةُ الأُولى في الأوَّلِ حُكْمًا وعِلْمًا والإتْيانُ الآخَرُ في العُقْبى قَهْرًا ومُلْكًا.
{"ayah":"وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق