الباحث القرآني
ولَمّا خَتَمَ الخِطابَ بِالإشارَةِ بِقَوْلِهِ: ”أهْواءَهم“ إلى عِلْمِهِمْ بِحَقِّيَّةِ هَذا التَّحْوِيلِ تَلْوِيحًا كَما فَتَحَهُ بِالإعْلامِ بِهِ تَصْرِيحًا كَرَّ عَلى تَأْكِيدِ الإعْلامِ بِما هم عَلَيْهِ في أمْرِها مِنَ التَّحَقُّقِ إشارَةً إلى ما تَبَطَّنُوهُ مِنَ العِنادِ المُوجِبِ لِلتَّمادِي في الفَسادِ فَقالَ مُضْمِرًا لَهُ عَلى وجْهٍ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مُعَظِّمًا لِهَذِهِ المَعْرِفَةِ بِإسْنادِ الإيتاءِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ الَّتِي هم بِها عارِفُونَ ﴿الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ أيِ: التَّحْوِيلَ المُتَضَمِّنَ لِزِيادَةِ تَحَقُّقِهِمْ لِصِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ وكَمالِ عِلْمِهِمْ بِهِ ﴿كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ﴾ لا يَشُكُّونَ في حَقِّيَّةِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِظُهُورِ دَلائِلِهِ عِنْدَهم، لِأنَّهم يَعْرِفُونَ الرَّسُولَ ﷺ بِجَمِيعِ نُعُوتِهِ [مَعْرِفَةً ] لا يَشُكُّونَ فِيها لِكَوْنِها عَنِ اللَّهِ الَّذِي لا خُلْفَ في قَوْلِهِ، فَبِذَلِكَ صارُوا يَعْرِفُونَ صِحَّةَ هَذا التَّحْوِيلِ هَذِهِ المَعْرِفَةَ، وذَلِكَ كَما أنَّهم لا يَشُكُّونَ في شَيْءٍ مِمّا تَقَعُ بِهِ المَعْرِفَةُ لِأبْنائِهِمْ لِشِدَّةِ مُلابَسَتِهِمْ لَهم؛ والحاصِلُ أنَّ مَعْرِفَتَهم بِنُبُوَّتِهِ تَزِيدُهم في المَعْرِفَةِ بِحَقِّيَّةِ التَّحْوِيلِ [بَصِيرَةً لِأنَّهُ مِن نَعْتِهِ، ومَعْرِفَتُهم بِأمْرِ التَّحْوِيلِ ] يُثَبِّتُهم في حَقِّيَّةِ نُبُوَّتِهِ لِكَوْنِهِ مِمّا ثَبَتَ مِنها، ولِذَلِكَ قالَ الحَرالِّيُّ: في إنْبائِهِ تَحَقُّقَهم بِعِيانِ ما ذُكِرَ لَهم مِن أمْرِهِ، لِأنَّ (p-٢٢٧)العارِفَ بِالشَّيْءِ هو الَّذِي كانَ لَهُ بِهِ إدْراكٌ ظاهِرٌ بِأدِلَّةٍ ثُمَّ أنْكَرَهُ لِاشْتِباهِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ عَرَفَهُ لِتَحَقُّقٍ ذَكَرَهُ لِما تَقَدَّمَ مِن ظُهُورِهِ في إدْراكِهِ، فَلِذَلِكَ مَعْنى المَعْرِفَةِ لِتَعَلُّقِها بِالحِسِّ وعِيانُ القَلْبِ أتَمُّ مِنَ العِلْمِ المَأْخُوذِ عَنْ عِلْمٍ بِالفِكْرِ؛ وإنَّما لَمْ تَجُزْ في أوْصافِ الحَقِّ لِما في مَعْناها مِن شَرْطِ النَّكِرَةِ، ولِذَلِكَ يُقالُ المَعْرِفَةُ حَدٌّ بَيْنَ عِلْمَيْنِ: عِلْمٌ عَلى تَشَهُّدِ الأشْياءِ بِبَوادِيها، وعِلْمٌ دُونٌ يَسْتَدِلُّ عَلى الأشْياءِ بِأعْلامِها؛ وفِيهِ أيِ التَّشْبِيهُ بِالأبْناءِ إنْباءٌ بِاتِّصالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ كَيانًا كَيانًا إلى ظُهُورِهِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ شاهِدُهُ عَلَيْهِمْ إلّا ارْتِحالَهم مِن بِلادِهِمْ مِنَ الشّامِ إلى مَحَلِّ الشَّدائِدِ مِن أرْضِ الحِجازِ لِارْتِقابِهِ وانْتِظارِهِ،
﴿فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩] وأجْرى المَثَلَ بِذِكْرِ الأبْناءِ لِاشْتِدادِ عِنايَةِ الوالِدِ بِابْنِهِ لِاعْتِلاقِهِ بِفُؤادِهِ، فَفِيهِ إنْباءٌ بِشِدَّةِ اعْتِلاقِهِمْ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ ﴿وإنَّ فَرِيقًا مِنهُمْ﴾ أيْ: أهْلِ الكِتابِ ﴿لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ﴾ أيْ: يُخْفُونَهُ ولا يُعْلِنُونَهُ.
ولَمّا كانَ لا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ عِلْمُهم بِهِ ولا يَلْزَمُ مِن عِلْمِهِمْ بِهِ اسْتِحْضارُهُ عِنْدَ الكِتْمانِ قالَ: ﴿وهم يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: إنَّهُ حَقٌّ وأنَّهم آثِمُونَ بِكِتْمانِهِ، فَجَعَلَهم أصْنافًا: صِنْفًا عَرَفُوهُ فاتَّبَعُوهُ، وصِنْفًا عَرَفُوهُ فَأنْكَرُوهُ كَما في إفْهامِهِ، (p-٢٢٨)وفَرِيقًا عَلِمُوهُ فَكَتَمُوهُ؛ وفي تَخْصِيصِ هَذا الفَرِيقِ بِالعِلْمِ إشْعارٌ بِفُرْقانِ ما بَيْنَ حالِ مَن يَعْرِفُ وحالِ مَن يَعْلَمُ، فَلِذَلِكَ كانُوا ثَلاثَةَ أصْنافٍ: عارِفٌ ثابِتٌ، وعارِفٌ مُنْكِرٌ هو أرْدَؤُهم، وعالِمٌ كاتِمٌ لاحِقٌ بِهِ؛ وفي مِثالِ يَكْتُمُونَ ويَعْلَمُونَ إشْعارٌ بِتَمادِيهِمْ في العِلْمِ وتَمادِيهِمْ في الكِتْمانِ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا یَعۡرِفُونَ أَبۡنَاۤءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِیقࣰا مِّنۡهُمۡ لَیَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











