الباحث القرآني
ولَمّا كانَ ادِّعاؤُهم أنَّ أسْلافَهم عَلى دِينِهِمْ لِئَلّا تَنْتَقِضَ دَعْواهم أنَّ الجَنَّةَ خاصَّةٌ بِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ فُضُولًا لا سَنَدَ لَهُ يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مُحاوَلَةً لِعَدَمِ (p-٢٠١)جَوازِ النَّسْخِ وكانَ إبْطالُ اللَّهِ تَعالى لِقَوْلِهِمْ وعَيْبِهِمْ بِما أحْدَثُوا في دِينِهِمْ وتَقْرِيعِهِمْ بِهِ مَلْزُومًا لِأنْ يَكُونُوا أباحُوا أنْفُسَهم مِنهُ ما مَنَعُوا مِنهُ خالِقَهم وهو لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ كانُوا أسْفَهَ النّاسِ فَعَقَّبَهُ بِالتَّصْرِيحِ بِعَيْبِهِمْ والتَّعْجِيبِ مِنهم في إنْكارِهِمْ لِنَسْخِ القِبْلَةِ وخِفَّتِهِمْ بِالِاعْتِراضِ عَلى رَبِّهِمْ فَقالَ واصِلًا لَهُ بِما قَبْلَهُ عَلى وجْهٍ أعَمَّ: ﴿سَيَقُولُ﴾ إلى آخِرِهِ، لِأنَّهم إذا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ حَقِّيَّةَ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَّبِعُوهم فَلا أقَلَّ مِن أنْ يَكُفُّوا عَنْ عَيْبِهِمْ فَكَيْفَ وهم عالِمُونَ بِأنَّهُ الحَقُّ ! وقالَ: ﴿السُّفَهاءُ﴾ ولَمْ يَقُلْ: سَيَقُولُونَ، إظْهارًا لِلْوَصْفِ الَّذِي اسْتَخَفَّهم إلى هَذا القَوْلِ الظّاهِرِ عَوارُهُ لِأهْلِ كُلِّ دِينٍ؛ والسَّفِيهُ الَّذِي يَعْمَلُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، إمّا بِأنْ لا يَلْتَفِتَ إلى دَلِيلٍ فَلا يَتَوَقَّفُ إلى أنْ يَلُوحَ لَهُ بَلْ يَتَّبِعُ هَواهُ، أوْ يَرى غَيْرَ الدَّلِيلِ (p-٢٠٢)دَلِيلًا، وأكَّدَ الوَصْفَ بِالطَّيْشِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ النّاسِ﴾ المَأْخُوذِ مِنَ النَّوْسِ وهو التَّحَرُّكُ، دُونَ أنْ يَقُولَ: مِن أهْلِ الكِتابِ، أوْ بَنِي إسْرائِيلَ، ونَحْوَ ذَلِكَ تَصْرِيحًا بِذَمِّهِمْ وتَعْمِيمًا لِكُلِّ مَن مالَأهم عَلى ذَلِكَ ﴿ما ولاهُمْ﴾ ولَمْ يَقُولُوا: مِن، زِيادَةً في الأذى بِالِاحْتِقارِ ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: القِبْلَةُ ما تُجْعَلُ قُبالَةَ الوَجْهِ، والقُبُلُ ما أقْبَلَ مِنَ الجَسَدِ في مُقابَلَةِ الدُّبُرِ لِما أدْبَرَ مِنهُ ﴿الَّتِي كانُوا عَلَيْها﴾ أيْ: بَيْتُ المَقْدِسِ، ولَعَلَّهُ تَرَكَ الإفْصاحَ لِيَصْلُحَ ذَلِكَ لِإرادَةِ الكَعْبَةِ أيْضًا لِيَصِيرَ المَعْنى: إنْ كانُوا انْتَقَلُوا عَنِ الكَعْبَةِ بِأمْرِ اللَّهِ فَهم مُبْطِلُونَ في رُجُوعِهِمْ وإلّا فَهم في كُلِّ حالٍ أتْباعُ الهَوى؛ وفي ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّهُ لَمّا انْقَطَعَتْ حُجَجُهم ألْقَوْا هَذِهِ الشُّبْهَةَ إلى مَنِ اخْتَدَعُوهُ مِنَ المُنافِقِينَ ولَمْ يَقْدِرُوا أنْ يُواجِهُوا بِها أحَدًا مِنَ الثّابِتِي الإيمانِ، كَما قالُوا فِيما تَقَدَّمَ: ﴿كُونُوا هُودًا أوْ نَصارى﴾ [البقرة: ١٣٥] ونَحْوَهُ عِلْمًا مِنهم بِأنَّ المُحاجَّ لَهم عَنِ المُؤْمِنِينَ مَن لَهُ الحُجَّةُ البالِغَةُ؛ ولِذا جاءَ جَوابُهم بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ﴾ خالِيًا عَنْ خِطابٍ لا كَما مَضى في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا﴾ [البقرة: ٨٠] ﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ﴾ [البقرة: ١١١] (p-٢٠٣)ونَحْوِهِ؛ وساقَ سُبْحانَهُ الإخْبارَ عَنْهم بِذَلِكَ عَلى طَرِيقٍ هو مِن أعْلامِ النُّبُوَّةِ وجَلائِلِ الرِّسالَةِ؛ فَإنَّهُ إخْبارٌ عَمّا سَيَكُونُ مِنَ الأعْداءِ، فَكانَ مِنهم عَلى وفْقِ الخَبَرِ؛ ولَمْ يَقْدِرُوا مَعَ شِدَّةِ عَداوَتِهِمْ واجْتِهادِهِمْ في القَدْحِ بِأدْنى شُبْهَةٍ في التَّكْذِيبِ عَلى تَكْذِيبِهِ بِالكَفِّ عَنْ ذَلِكَ؛ هَذا مَعَ تَوْطِئَةٍ لِذَلِكَ فِيما سَلَفَ في خَمْسَةِ مَواضِعَ: تَحْرِيفُهم لِكَلامِ اللَّهِ، وإيقاعُهُ النَّسْخَ واسْتِدْلالُهُ عَلى حُسْنِ فِعْلِهِ، وإخْبارُهُ بِظُلْمِ مانِعِ المَسْجِدِ، وإخْبارُهُ بِأنَّهُ لا يَخْتَصُّ بِهِ جِهَةً دُونَ أُخْرى، وذِكْرُهُ بِناءَ البَيْتِ وما أمَرَ بِهِ مِن تَعْظِيمِهِ واتِّخاذِهِ مُصَلّى؛ مَعَ ما في ذَلِكَ مِن تَوْطِينِ نُفُوسِ أهْلِ الإسْلامِ وإكْرامِهِمْ بِتَعْلِيمِ الجَوابِ قَبْلَ الحاجَةِ، لِيَكُونَ أقْطَعَ لِلْخَصْمِ وأكْسَرَ لِشَوْكَتِهِ وأرَدَّ لِشَغَبِهِ، وتَسْمِيَتُهم (p-٢٠٤)سُفَهاءَ ناظِرٌ إلى قَوْلِهِ فِيما مَضى عَمَّنْ نافَقَ مِنهم ومِن غَيْرِهِمْ ﴿ألا إنَّهم هُمُ السُّفَهاءُ﴾ [البقرة: ١٣] لِأنَّهم وإنْ كانُوا مُصارَحِينَ بِالكُفْرِ فاسْمُ النِّفاقِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ مِن جِهَةٍ أُخْرى وهو أنَّهم أظْهَرُوا الكَفْرَ وأبْطَنُوا مَعْرِفَةَ الإيمانِ، أظْهَرُوا التَّكْذِيبَ وأبْطَنُوا ما هم عارِفُونَ بِهِ مِن صِدْقِهِ، وأيْضًا فَإذا كانَ المُنافِقُونَ الَّذِينَ أظْهَرُوا حُسْنًا سُفَهاءَ لِما أبْطَنُوهُ مِنَ القَبِيحِ فالَّذِينَ عَمَّهُمُ القُبْحُ ظاهِرًا وباطِنًا أسَفَهُ؛ وإلى قَوْلِهِ قَرِيبًا: ﴿ومَن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ إلا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠] لِما تَقَرَّرَ مِن مُخالَفَتِهِمْ لَهُ وإنِ ادَّعَوُا المُوافَقَةَ. وقالَ: ﴿لِلَّهِ﴾ أيِ: المَلِكِ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وعِلْمًا ﴿المَشْرِقُ والمَغْرِبُ﴾ مُخَصَّصًا لَهُما لِكَوْنِهِما مَجْمَعَيِ الآفاقِ كَما مَضى فَلا تَخْتَصُّ بِالوُجْهَةِ إلَيْهِ جِهَةً دُونَ أُخْرى فَما أمَرَ بِهِ فَهو الحَقُّ.
ولَمّا قَرَّرَ أنَّ الجِهاتِ كُلَّها بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَواءٌ لِأنَّها مِلْكُهُ، عَلى أنَّ مَن تَوَجَّهَ إلى شَيْءٍ مِنها بِأمْرِهِ أصابَ رِضاهُ، وذَلِكَ هو الوُصُولُ إلَيْهِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ مُسْتَأْنِفًا بِقَوْلِهِ مُعَظِّمًا لِأهْلِ الإسْلامِ ومُعَرِّفًا بِعِنايَتِهِ بِهِمْ: (p-٢٠٥)﴿يَهْدِي﴾ إلَيْهِ ﴿مَن يَشاءُ﴾ أيْ: مِن عِبادِهِ، وعَظَّمَ الكَعْبَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ في أيِّ جِهَةٍ كانَتْ، فَمَتى سَلَكَهُ وصَلَ إلى المَقْصُودِ مِن غَيْرِ ضَلالٍ، ونَكَّرَهُ لِأنَّ المُرادَ بِهِ جُزْئِيّاتٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ؛ وأمّا الصِّراطُ المُعَرَّفُ في الفاتِحَةِ فالمُرادُ بِهِ الشَّرِيعَةُ كُلُّها بِما دَلَّتْ عَلَيْهِ ”ال“ مِنَ الكَمالِ.
{"ayah":"۞ سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











