الباحث القرآني

ولَمّا لَمْ يَدَعْ لَهم مُتَمَسَّكًا مِن جِهَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أتْبَعَ ذَلِكَ الإشارَةَ عَلى تَقْدِيرِ صِحَّةِ دَعْواهم إلى أنَّ الدِّينَ دائِرٌ مَعَ أمْرِهِ في كُلِّ زَمانٍ لا مَعَ ما قَرَّرَهُ لِأحَدٍ مِن خَلْقِهِ فَإنَّهُ لا حَجْرَ عَلَيْهِ ولا اعْتِراضَ بَلْ لَهُ أنْ يَأْمُرَ اليَوْمَ بِأمْرٍ وغَدًا مَثَلًا بِضِدِّهِ وأنْ يَفْعَلَ ما يَشاءُ مِن إحْكامٍ ونَسْخٍ ونَسِيءٍ وإنْساءٍ فَقالَ: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ﴾ أيْ: إبْراهِيمُ وآلُهُ ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ أيْ: فَهَبْ أنَّهم عَلى ما زَعَمْتُمْ فَقَدْ مَضَوْا وقَدَمَ زَمانُهم فَلا يَنْفَعُكم إلّا ما تَسْتَجْدُونَهُ في وقْتِكم هَذا بِحُكْمِ ما تَجَدَّدَ مِنَ المُنَزَّلِ المُعْجِزِ لِكافَّةِ أهْلِ الأرْضِ أحْمَرِهِمْ (p-١٩٩)وأسْوَدِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ يُقالَ: لَمّا كانَ مَضْمُونُ ما سَبَقَ مِن إثْباتِ الأعْلَمِيَّةِ لِلَّهِ وكِتْمانِهِمُ الشَّهادَةَ بِما عِنْدَهم ثُبُوتَ ما أخْبَرَ بِهِ سُبْحانَهُ عَلى لِسانِ هَذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ مِن كَوْنِ أصْفِيائِهِ عَلى دِينِهِ الإسْلامِ فَهم بُرَآءُ مِنهم كانَ المَعْنى: إنِ ادَّعَيْتُمْ بُهْتًا أنَّ العِلْمَ جاءَكم عَنِ اللَّهِ بِما ادَّعَيْتُمُوهُ قِيلَ: إنَّ مَن تَدَّعُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنَ الأنْبِياءِ قَدِ انْقَضَتْ مُعْجِزَتُهُ بِمَوْتِهِ، وكِتابُكم غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ التَّحْرِيفُ والتَّبْدِيلُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعْجِزٍ، وهَذا النَّبِيُّ الآتِي بِالقُرْآنِ قائِمٌ بَيْنَ أظْهُرِكم وهو يُخْبِرُكم عَنِ اللَّهِ بِكَذِبِ دَعْواكم، ويُؤَيِّدُ قَوْلَهُ بِالمُعْجِزاتِ الَّتِي مِنها هَذا القُرْآنُ الَّذِي عَجَزَتِ العَرَبُ كُلُّها عَنِ الإتْيانِ بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وأنْتُمْ كَذَلِكَ مَعَ مُشارَكَتِكم لَهم في الفَصاحَةِ نَظْمًا ونَثْرًا واخْتِصاصِكم عَنْهم بِالعِلْمِ فَلَزِمَكم قَبُولُهُ، لِأنَّكم لا تَسْتَنِدُونَ في تَرْوِيجِ كَذِبِكم بَعْدَ الجُهْدِ إلّا إلى مَن ثَبَتَ صِدْقُهُ بِثُبُوتِ رِسالَتِهِ، وثَبَتَتْ رِسالَتُهُ بِظُهُورِ مُعْجِزَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْكم قَبُولُ أمْرِهِ، وذَلِكَ يُنْتِجُ قَطْعًا أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكم قَبُولُ هَذا الدّاعِي بِهَذا القُرْآنِ لِمِثْلِ ذَلِكَ سَواءٌ، وإلّا كانَ قَبُولُ بَعْضَ مَن ثَبَتَ لَهُ هَذا الوَصْفُ دُونَ البَعْضِ تَحَكُّمًا واتِّباعًا لِلْهَوى المَذْمُومِ في كُلِّ شِرْعَةٍ المَنعِيِّ عَلَيْكم بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَكُلَّما جاءَكم رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أنْفُسُكُمُ﴾ [البقرة: ٨٧] هَذا مَعَ أنَّ رَدَّ قَوْلِكم هَذا فِيهِمْ أظْهَرُ ظاهِرٍ مِن حَيْثُ إنَّهُ (p-٢٠٠)لا يُعْقَلُ أنْ يَكُونَ السّابِقَ عَلى نِسْبَةِ اللّاحِقِ ما حَدَثَتْ بِهِ إلّا بَعْدَهُ بِمُدَدٍ مُتَطاوِلَةٍ، وسَيَأْتِي النَّصُّ الصَّرِيحُ بِإبْطالِ ذَلِكَ في آلِ عِمْرانَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى والإشارَةُ إلى مُنابَذَتِهِ لِلْعَقْلِ بِقَوْلِهِ: ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: ٦٥] لِيَتَطابَقَ عَلى إبْطالِهِ صادِقُ النَّقْلِ وحاكِمُ العَقْلِ، وإلى هَذا كُلِّهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ أيْ: مِن قَبْلِكم بِدُهُورٍ ولا يَقْبَلُ الإخْبارُ عَنْهم بَعْدَها إلّا بِقاطِعٍ، ولا سَبِيلَ لَكم إلَيْهِ وقَدْ قامَ القاطِعُ عَلى مُخالَفَتِكم لَهم بِهَذا القُرْآنِ المَقْطُوعِ بِصِدْقِهِ بِإعْجازِهِ بِما تَقَدَّمَ وبِما أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَها ما كَسَبَتْ﴾ أيْ: مِن أعْمالِها ﴿ولَكم ما كَسَبْتُمْ﴾ أيْ: مِن أعْمالِكم، فَلا يُسْألُونَ هم عَنْ أعْمالِكم ﴿ولا تُسْألُونَ﴾ أيْ: أنْتُمْ ﴿عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب