الباحث القرآني

ولَمّا كانَ قَدْ بَقِيَ مِن مُباهَتاتِهِمْ أنَّهم (p-١٩٧)يَدَّعُونَ أنَّ أسْلافَهم كانُوا عَلى دِينِهِمْ فَيَكُونُ دَعْواهُمُ الِاخْتِصاصَ بِالجَنَّةِ صَحِيحَةً أبْطَلَها سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أمْ﴾ أيْ: أرَجَعُوا عَنْ قَوْلِهِمْ: ﴿كُونُوا هُودًا أوْ نَصارى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥] لِما ثَبَتَ مِن مُخالَفَةِ ذَلِكَ لِمِلَّةِ إبْراهِيمَ وآلِهِ ﴿أمْ تَقُولُونَ﴾ ولا يَخْفى أنَّ التَّقْدِيرَ عَلى قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ وحَمْزَةَ والكِسائِيِّ وخَلَفٍ وحَفْصٍ ورُوَيْسٍ بِالخِطابِ: أرْجَعْتُمْ عَنْ قَوْلِكم: ﴿إنَّ إبْراهِيمَ﴾ خَلِيلَ اللَّهِ ﴿وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ﴾ ابْنَيْهِ ﴿ويَعْقُوبَ﴾ ابْنَ إسْحاقَ ﴿والأسْباطَ﴾ أوْلادَ يَعْقُوبَ ﴿كانُوا هُودًا أوْ نَصارى﴾ لِتَصِحَّ دَعْواهم في أنَّ الجَنَّةَ خالِصَةٌ لِأهْلِ مِلَّتِهِمْ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَما يُقالُ لَهم إنْ قالُوا ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ: ﴿قُلْ أأنْتُمْ أعْلَمُ﴾ بِذَلِكَ وبِغَيْرِهِ ﴿أمِ اللَّهُ﴾ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ كُلُّها أعْلَمُ، فَلا يُمْكِنُهم أنْ يَقُولُوا: نَحْنُ، وإنْ قالُوا: اللَّهُ، فَقَدْ بَرَّأ إبْراهِيمَ مِن ذَلِكَ فَبَطَلَ ما ادَّعَوْا. ولَمّا كانَ العِلْمُ عِنْدَهم عَنِ اللَّهِ بِأنَّ الخَلِيلَ ومَن ذُكِرَ مَعَهُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَلى دِينِ الإسْلامِ وكانُوا يَكْتُمُونَ ما عِنْدَهم مِن ذَلِكَ مَعَ تَقْرِيرِ اللَّهِ لَهم واسْتِخْبارِهِمْ عَنْهُ ونَهْيِهِ لَهم عَنْ كِتْمانِهِ وما يُقارِبُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ﴾ [البقرة: ٤٢] وكانَ التَّقْدِيرُ: فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ ادَّعى أنَّهُ أعْلَمُ مِنَ اللَّهِ بِدَعْواهُ ذَلِكَ صَرِيحًا أوْ لُزُومِهِ لَهُ بِإخْبارِهِ بِخِلافِ ما ثَبَتَ في القُرْآنِ المَعْلُومِ صِدْقُهُ بِإعْجازِهِ ! قالَ تَعالى عَطْفًا عَلى هَذا المَقْدُورِ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ﴾ أيْ: مَوْجُودَةٌ ومُودَعَةٌ عِنْدَهُ (p-١٩٨)﴿مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ: كَتَمَها مِنَ المَلِكِ الأعْظَمِ، أوْ هي عِنْدَهُ مِنهُ وهو يَسْتَخْبِرُهُ عَنْها مَعَ عِلْمِهِ بِأنَّهُ فاضِحُهُ لِأنَّهُ العالِمُ بِالسَّرائِرِ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَإنَّهُ يَعْلَمُ ما عَمِلَهُ مِن كِتْمانِهِ عَطَفَ عَلَيْهِ ما هو أعَمُّ مِنهُ فَقالَ: ﴿وما اللَّهُ﴾ المُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا ﴿بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾ إشْعارًا بِصِيغَةِ المُضارِعِ بِتَمادِيهِمْ بَعْدَ هَذا كُلِّهِ عَلى سُوءِ أعْمالِهِمْ وتَحْذِيرًا مِن مِثْلِ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب