الباحث القرآني

ولَمّا أمَرَ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ﴾ [البقرة: ١٣٥] وما بَعْدَهُ بِإعْلامِ الخَصْمِ بِالمُخالَفَةِ وأنْ لا مُوافَقَةَ إلّا بِتَرْكِ الهَوى واتِّباعِ الهُدى أمَرَ بِمُجادَلَتِهِمْ بِما يُوهِي أقْوالَهم ويُزِيحُ شُبَهَهم فَقالَ مُعْرِّضًا بِالخِطابِ عَنِ الجَمْعِ مُوَجِّهًا لَهُ إلى رَسُولِهِ ﷺ رَفْعًا لِمَقامِهِ وتَعْرِيفًا بِعَلِيِّ مَنصِبِهِ إعْلامًا بِأنَّهُ لا يَنْهَضُ بِذَلِكَ غَيْرُهُ لِما لَهم مِنَ العِلْمِ مَعَ ما عِنْدَهم مِنَ الجَدَلِ واللَّدَدِ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ١٣٥] مُنْكِرًا لِمُحاجَّتِهِمْ ومُوَبِّخًا لَهم عَلَيْها ﴿أتُحاجُّونَنا﴾ ولَمّا كانَ الأنْسَبُ في المُقارَعَةِ إعْلامَ الخَصْمِ بِالمُخالَفَةِ (p-١٩٦)لِأنَّهُ أقْطَعُ لِطَمَعِهِ وأمْكَنُ لِغَيْظِهِ مَعَ أنَّهُ هُنا أقْرَبُ إلى رِضى الخالِقِ قُدِّمَ عَلى المُجادَلَةِ، ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فِي اللَّهِ﴾ في اخْتِصاصِكم بِالمُلْكِ الَّذِي لا مُلْكَ سِواهُ، لِأنَّ لَهُ الكَمالَ كُلَّهُ المُشارَ إلى إبْطالِهِ فِيما سَبَقَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً﴾ [البقرة: ٩٤] أيْ: أتُحاجُّونَنا في ذَلِكَ ولا وجْهَ لِاخْتِصاصِكم بِهِ ﴿وهُوَ﴾ أيْ: والحالُ أنَّهُ ﴿رَبُّنا ورَبُّكُمْ﴾ نَحْنُ وأنْتُمْ في العُبُودِيَّةِ لَهُ سَواءٌ ﴿ولَنا أعْمالُنا﴾ نَخْتَصُّ بِهِ دُونَكم ﴿ولَكم أعْمالُكُمْ﴾ تَخْتَصُّونَ بِها دُونَنا، لا نَخافُ مِنهُ أنْ يَخُصَّكم بِأعْمالِنا ولا بِشَيْءٍ مِنها لِتَخْتَصُّوا بِها عِنْدَهُ ولا أنْ يَخُصَّنا بِأعْمالِكم ولا بِشَيْءٍ مِنها لِنَبْعُدَ بِها عَنْهُ ظُلْمًا ولا غَلَطًا، لِأنَّهُ السَّمِيعُ العَلِيمُ الغَنِيُّ الحَمِيدُ ﴿ونَحْنُ﴾ أحْسَنُ أعْمالًا مِنكم لِأنّا دُونَكم ﴿لَهُ﴾ وحْدَهُ ﴿مُخْلِصُونَ﴾ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وأنْتُمْ تُشْرِكُونَ بِهِ عُزَيْرًا والمَسِيحَ والأحْبارَ والرُّهْبانَ، وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ في باطِنِ الأمْرِ وإنْ أظْهَرْتُمْ خِلافَهُ، فَلَزِمَ قَطْعًا أنّا أخَصُّ بِهِ مِنكم؛ والإخْلاصُ عَزْلُ النَّفْسِ جُمْلَةً، فَلا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَتَهُ حَتّى لا يُحِبَّ أنْ يُحْمَدَ عَلى عَمَلٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب