الباحث القرآني

ولَمّا قِيلَ ذَلِكَ تَوَجَّهْتِ النَّفْسُ إلى ما بِهِ يُوصَلُ إلى مِلَّةِ إبْراهِيمَ، فَصَرَفَ الخِطابَ الَّذِي كانَ عِنْدَ الحِجاجِ لِلْأكْمَلِ عَلى وجْهٍ يَشْمَلُ مَن قارَبَهُ إلى مَن دُونَهُ بِما يَشْمَلُهُ، لِأنَّ المُرادَ العُمُومُ، وساقَهُ تَعالى في جَوابِ مَن كَأنَّهم قالُوا: ما نَقُولُ: حَتّى نَكُونَ إيّاها فَقالَ: ﴿قُولُوا﴾ أيْ: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ﴿آمَنّا بِاللَّهِ﴾ الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ. (p-١٨٨)ولَمّا كانَ المَأْمُورُ المُؤْمِنِينَ وكانَتْ تَعْدِيَةُ الإنْزالِ بِإلى تَقْتَضِي الِانْتِهاءَ وكانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي واسِطَةً قَبْلَ الِانْتِهاءِ وكانَ الِانْتِهاءُ إلى الِاتِّباعِ إنَّما هو بِالقَصْدِ الثّانِي كانَ الأنْسَبُ في هَذِهِ الآيَةِ لِتَوْجِيهِ الأمْرِ إلَيْهِمُ التَّعْبِيرَ بِإلى بِخِلافِ آيَةِ آلِ عِمْرانَ كَما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى فَقالَ: ﴿وما أُنْـزِلَ إلَيْنا﴾ أيْ: مِنَ الكِتابِ الَّذِي تَقَدَّمَ أنَّهُ الهُدى عَلى أيِّ وجْهٍ كانَ مِنَ الأحْكامِ والنَّسْخِ والنَّسِيءِ وغَيْرِ ذَلِكَ وقِيلَ ﴿وما أُنْـزِلَ إلى إبْراهِيمَ﴾ لِيَكُونَ المِهْيَعُ واحِدًا ﴿وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ﴾ ابْنَيْهِ. قالَ الحَرالِّيُّ: فَلَقَّنَ العَرَبَ الأُمِّيِّينَ المَحْسُودِينَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ نَسَقَ ما أجْرى مِن لَفْظِ بَنِي إسْرائِيلَ في عَهْدِهِ لَهم، فَكانَ فِيهِ وصْلُ العَرَبِ الَّذِينَ هم أبْناءُ إسْماعِيلَ بِإبْراهِيمَ وبَنِيهِ وقَطْعُ بَنِي إسْرائِيلَ عَنْهم، وفِيهِ إظْهارٌ لِمَزِيَّةٍ فَضْلِ اللَّهِ عَلى العَرَبِ حِينَ يُلَقِّنُهم ولا يَسْتَنْطِقُهم فَيَقْصُرُوا في مَقالِهِمْ فَأغْناهم بِما لَقَّنَهم فَتَلَوْهُ عَمّا كانُوا يَقُولُونَهُ لَوْ وُكِلُوا إلى أنْفُسِهِمْ فَسَكَّنَهم (p-١٨٩)رَبُّهم فَأقْرَأهم ما يَصْلُحُ مِنَ القَوْلِ لَهم وقالَ: ﴿ويَعْقُوبَ والأسْباطِ﴾ تَكْمِلَةٌ لِما تَقَدَّمَ في العَهْدِ السّابِقِ. انْتَهى. ﴿وما أُوتِيَ مُوسى وعِيسى﴾ أيْ: مِن رَبِّهِمْ مِنَ المُنَزَّلِ مِنَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ وغَيْرِ المُنَزَّلِ، وغَيَّرَ الأُسْلُوبَ تَفْضِيلًا لِما لَهُما مِنَ الكِتابَيْنِ والمُعْجِزاتِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُكْنَةِ؛ ثُمَّ أسْنَدَ الإيتاءَ إلى الجَمِيعِ لِكَوْنِ أهْلِ الكُتُبِ العَظِيمَةِ فِيهِمْ عَلى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ فَقالَ مُؤَكِّدًا الكَلامَ لِأنَّهُ عَلى لِسانِ الأتْباعِ وهم بِالتَّأْكِيدِ أحَقُّ: ﴿وما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ﴾ أيْ: قاطِبَةً مَن تَقَدَّمَ وغَيْرُهم مِنَ المُنَزَّلِ مِن كِتابٍ وغَيْرِهِ ﴿مِن رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٦] المُحْسِنِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنهُمْ﴾ في أمْرِ الإيمانِ بِاصْطِفائِهِمْ مَعَ تَوْجِيهِ الأوامِرِ إلَيْهِمْ ﴿ونَحْنُ لَهُ﴾ أيْ: لِرَبِّهِمُ المُحْسِنِ إلَيْنا بِإحْسانِهِ إلَيْهِمْ وحْدَهُ ﴿مُسْلِمُونَ﴾ أيْ: مُنْقادُونَ في الظّاهِرِ بَعْدَ انْقِيادِ الباطِنِ، لا أمْرَ لَنا مَعَهُ أصْلًا، قالَ الحَرالِّيُّ: فَأجْرى عَلى ألْسِنَةِ الَّذِينَ آمَنُوا مِن هَذِهِ الأُمَّةِ تَلْقِينًا لَهم ما أجْراهُ عَلى ألْسِنَةِ الأسْباطِ قَوْلًا مِنهم، فَكانَتِ العَرَبُ أحَقَّ بِهِمْ مِن أبْناءِ إسْرائِيلَ بِما اسْتَوَوْا في الدِّينِ وإنِ افْتَرَقُوا في نَسَبِ الإسْرائِيلِيَّةِ. انْتَهى. والأسْباطُ جَمْعُ سِبْطٍ، قالَ في القامُوسِ: والسِّبْطُ - بِالكَسْرِ - ولَدُ الوَلَدِ والقَبِيلَةُ مِنَ اليَهُودِ وجَمْعُهُ أسْباطٌ. وقالَ البَيْضاوِيُّ: والأسْباطُ جَمْعُ سِبْطٍ وهو الحافِدُ، يُرِيدُ بِهِ حَفَدَةَ يَعْقُوبَ وأبْناءَهُ وذَرارِيهِمْ فَإنَّهم حَفَدَةٌ لِإبْراهِيمَ وإسْحاقَ. (p-١٩٠)وقالَ الأصْبِهانِيُّ: قِيلَ أصْلُ السِّبْطِ في اللُّغَةِ شَجَرَةٌ مُلْتَفَّةٌ كَثِيرَةُ الأغْصانِ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ، وقالَ البَغَوِيُّ: والأسْباطُ يَعْنِي أوْلادَ يَعْقُوبَ، واحِدُهم سِبْطٌ، وهُمُ اثْنا عَشَرَ سِبْطًا، وسِبْطُ الرَّجُلِ حافِدُهُ، ومِنهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ والحُسَيْنِ: سَبْطا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . والأسْباطُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ كالقَبائِلِ مِنَ العَرَبِ مِن بَنِي إسْماعِيلَ، والشُّعُوبِ مِنَ العَجَمِ، وكانَ في الأسْباطُ أنْبِياءَ فَلِذَلِكَ قالَ: ”وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ“ وقِيلَ: هم بَنُو يَعْقُوبَ مِن صُلْبِهِ صارُوا كُلُّهم أنْبِياءَ. انْتَهى. قُلْتُ: وهَذا هو الَّذِي يَظْهَرُ إذا تَأمَّلْتَ هَذِهِ الآيَةَ مَعَ الَّتِي بَعْدَها وآيَةِ النِّساءِ، فَإنَّ الأسْباطَ - أعْنِي القَبائِلَ - كانَتْ مِنهُمُ الضُّلّالُ، وقَدْ أنْكَرَ اللَّهُ عَلى مَن قالَ: إنَّهم كانُوا هُودًا أوْ نَصارى، وأخْبَرَ في آيَةِ النِّساءِ أنَّهُ أوْحى إلَيْهِمْ، وقَدْ عَدَّ الأسْباطَ - أعْنِي أوْلادَ يَعْقُوبَ - جَماعَةً، فاخْتَلَفَتْ عِباراتُهم عَنْهم، والَّذِي حَرَّرْتُهُ أنا مِنَ التَّوْراةِ مِن عِدَّةِ نُسَخٍ أصَحُّ، عَدَّهم في آخِرِ السِّفْرِ الأوَّلِ مِنها ثُمَّ قالَ في أوَّلِ السِّفْرِ الثّانِي: وهَذِهِ أسْماءُ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِينَ دَخَلُوا (p-١٩١)مِصْرَ مَعَ يَعْقُوبَ أبِيهِمْ، دَخَلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم وأهْلُ بَيْتِهِ، رُوبِيلُ وشَمْعُونُ ولاوى ويَهُودا وإيساخارُ وزَبْلُونُ وبِنْيامِينُ ودانٌ ونَفْتالِي وجادٌ وأُشِيرُ، ويُوسُفُ كانَ بِمِصْرَ. انْتَهى. قُلْتُ: وبِنْيامِينُ شَقِيقُ يُوسُفَ عَلَيْهِما السَّلامُ ورُبَّما قِيلَ فِيهِ: بِنْمَنُ، وفي رُوبِيلَ: رُوبالُ، وفي شَمْعُونَ: شَمْعانُ، وفي إيساخارَ: إيساخَرُ، وفي زَبْلُونَ: زَبْلُونُ وزَبُولُونُ - واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب