الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ بِما مَهَّدَهُ مِن أمْرِ البَيْتِ دِينًا ودُنْيا أتْبَعَهُ بِبِنائِهِ مُشِيرًا إلى ما حَباهم بِهِ مِنَ النِّعْمَةِ وما قابَلُوهُ بِهِ مِن كُفْرِها بِاخْتِيارِهِمْ لِأنْ يَكُونُوا مِن غَيْرِ الأُمَّةِ المُسْلِمَةِ الَّتِي دَعا لَها لَمّا دَعا لِلرَّسُولِ فَقالَ عاطِفًا عَلى ”إذِ ابْتَلى“ تَعْدِيدًا لِوُجُوهِ النِّعَمِ عَلى العَرَبِ بِأبِيهِمُ الأعْظَمِ اسْتِعْطافًا إلى التَّوْحِيدِ ﴿وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ﴾ أيِ: اذْكُرِ الوَقْتَ الَّذِي يُباشِرُ بِالرَّفْعِ ﴿القَواعِدَ (p-١٥٨)مِنَ البَيْتِ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: عَدَّدَ تَعالى وُجُوهَ عِنايَتِهِ بِسابِقَةِ العَرَبِ في هَذِهِ الآياتِ كَما عَدَّدَ وُجُوهَ نِعْمَتِهِ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ في سابِقَةِ الخِطابِ، فَكانَتْ هَذِهِ في أمْرِ إقامَةِ دِينِ اللَّهِ، وكانَتْ تِلْكَ في مُحاوَلَةِ مُدافَعَتِهِ، لِيَظْهَرَ بِذَلِكَ تَفاوُتُ ما بَيْنَ الِاصْطِفاءِ والعِنايَةِ، والقاعِدَةُ ما يَقْعُدُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ أيْ: يَسْتَقِرُّ ويَثْبُتُ ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِها سافاتُ البِناءِ، لِأنَّ كُلَّ سافٍ قاعِدَةٌ لِلَّذِي يُبْنى عَلَيْهِ - قالَهُ الأصْبِهانِيُّ. ولَمّا أفْرَدَ الخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهَذا الرَّفْعَ إظْهارًا لِشَرَفِهِ بِكَوْنِهِ هو السَّبَبُ الأعْظَمُ في ذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ ولَدَهُ فَقالَ: ﴿وإسْماعِيلُ﴾ أيْ: يَرْفَعُ القَواعِدَ أيْضًا، ووَصَلَ بِهَذا العَمَلِ الشَّرِيفِ قَوْلَهُ: ﴿رَبَّنا﴾ مُرادًا فِيهِ القَوْلُ مَحْذُوفًا مِنهُ أداةُ البُعْدِ: أيْ: يَقُولانِ: ﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا﴾ أيْ: عَمِلْنا بِفَضْلِكَ ولا تَرُدَّهُ عَلَيْنا، إشْعارًا بِالِاعْتِرافِ بِالتَّقْصِيرِ لِحَقارَةِ العَبْدِ وإنِ اجْتَهَدَ في جَنْبِ عَظَمَةِ مَوْلاهُ. ولَمّا تَضَمَّنَ سُؤالُ القَبُولِ المُشْعِرُ بِخَوْفِ الرَّدِّ عِلْمَ النّاقِدِ البَصِيرِ بِالتَّقْصِيرِ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ﴾ وأكَّدَهُ (p-١٥٩)بِقَوْلِهِ: ﴿أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ أيْ: فَإنْ كُنْتَ سَمِعْتَ أوْ عَلِمْتَ مِنّا حُسْنًا فَرُدَّهُ حُسْنًا، وإنْ كُنْتَ سَمِعْتَ أوْ عَلِمَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِن نَحْوِ قَوْلٍ ناشِئٍ عَنِ اخْتِلاجٍ في النَّفْسِ بِما سَبَّبَهُ كَلالٌ أوْ إعْياءٌ فاغْفِرْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب