الباحث القرآني

ولَمّا عَمَّ بِهَذا الحُكْمِ الطّائِعَ والعاصِيَ، وكانَ ذَلِكَ مُحْزِنًا لِأهْلِ الطّاعَةِ بِاسْتِشْعارِ الذُّلِّ في الدّارَيْنِ، تَحَرَّكَتِ النَّفْسُ إلى مَعْرِفَةِ ما أفادَتْهُمُ الطّاعَةُ، واسْتَأْنَفَ الجَوابَ لِذَلِكَ مُبَشِّرًا لَهم بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا﴾ تَصْدِيقًا لِادِّعائِهِمُ الإيمانَ، الأعْمالَ ﴿الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ﴾ تَحْقِيقًا عَمّا قَلِيلٍ عِنْدَ بَيْعَةِ العَقَبَةِ ﴿لَهُمُ الرَّحْمَنُ﴾ الَّذِي خَصَّهم بِالرِّضا بَعْدَ أنْ عَمَّهم بِالنِّعْمَةِ، جَزاءً عَلى انْقِيادِهِمْ لَهُ، لِأنَّهُ كانَ إمّا بِاخْتِيارِهِمْ وإمّا بِرِضاهم ﴿وُدًّا﴾ أيْ حُبًّا عَظِيمًا في قُلُوبِ العِبادِ، دالًّا عَلى ما لَهم عِنْدَهم مِنَ الوُدِّ؛ قالَ الأصْبَهانِيُّ: مِن غَيْرِ تَوَدُّدٍ مِنهم ولا تَعَرُّضٍ لِلْأسْبابِ الَّتِي تَكْسِبُ بِها النّاسُ مَوَدّاتِ القُلُوبِ مِن قَرابَةٍ أوْ صَداقَةٍ أوِ اصْطِناعِ غَيْرِهِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وإنَّما هو اخْتِراعٌ ابْتَدَأ اخْتِصاصًا مِنهُ لِأوْلِيائِهِ بِكَرامَةٍ خاصَّةٍ كَما (p-٢٥١)قَذَفَ في قُلُوبِ أعْدائِهِمُ الرُّعْبَ والهَيْبَةَ إعْظامًا لَهم وإجْلالًا لِمَكانِهِمُ - انْتَهى. والمُرادُ - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّهُ لا يَجْعَلُ سُبْحانَهُ في قَلْبِ أحَدٍ مِن عِبادِهِ الصّالِحِينَ عَلَيْهِمْ إحْنَةً، لِأنَّ الوُدَّ - كَما قالَ الإمامُ أبُو الحَسَنِ الحَرالِّيُّ: خُلُوٌّ عَنْ إرادَةِ المَكْرُوهِ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ [الرُّومِ] ما يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا؛ رَوى الشَّيْخانِ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرَئِيلَ فَقالَ: يا جِبْرَئِيلُ! إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرَئِيلُ ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا [فَأحِبُّوهُ]، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأرْضِ، وإنَّ اللَّهَ إذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعا جِبْرَئِيلَ فَقالَ: [يا جِبْرَئِيلُ -]! إنِّي أبْغَضُ فُلانًا فَأبْغِضْهُ، فَيَبْغَضُهُ جِبْرَئِيلُ ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ: إنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ فُلانًا فَأبْغِضُوهُ، فَيَبْغَضُهُ أهْلُ السَّماءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ البَغْضاءُ في الأرْضِ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب