الباحث القرآني
﴿يَرِثُنِي﴾ في جَمِيعِ ما أنا فِيهِ مِنَ العِلْمِ والنُّبُوَّةِ والعَمَلِ ﴿ويَرِثُ﴾ زِيادَةً عَلى ذَلِكَ ﴿مِن آلِ يَعْقُوبَ﴾ جَدِّنا مِمّا خَصَصْتَهم بِهِ مِنَ المِنَحِ، وفَضَّلْتَهم بِهِ مِنَ النِّعَمِ، مِن مَحاسِنِ الأخْلاقِ ومَعالِي الشِّيَمِ، وخَصَّ اسْمَ يَعْقُوبَ اقْتِداءً بِهِ نَفْسِهِ إذْ قالَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعَلى آلِ يَعْقُوبَ﴾ [يوسف: ٦] ولِأنَّ إسْرائِيلَ صارَ عَلَمًا عَلى الأسْباطِ كُلِّهِمْ، (p-١٧٠)وكانَتْ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِمُ الأحْداثُ؛ وقَدِ اسْتَشْكَلَ القاضِي العَضُدُ في ”الفَوائِدِ الغِياثِيَّةِ“ كَوْنَ ”يَرِثُ“ عَلى قِراءَةِ الرَّفْعِ صِفَةً بِأنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ إجابَةِ دُعائِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأنَّ يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ قُتِلَ في حَياتِهِ، ولا يَكُونُ وارِثًا إلّا إذا تَخَلَّفَ بَعْدَهُ، وقَدْ قالَ تَعالى ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ ووَهَبْنا لَهُ يَحْيى﴾ [الأنبياء: ٩٠] قالَ: فَتُجْعَلُ اسْتِئْنافِيَّةً، ولا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ إلّا خُلْفُ ظَنِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ - هَكَذا نُقِلَ لِي عَنْهُ، وأنا أُجِلُّهُ عَنْ ذَلِكَ، لِأنَّهُ [لا -] يَلْزَمُ تَخَلُّفُ دُعائِهِ ولا يَتَجَرَّأُ عَلى عَلِيِّ مَقامِهِ بِإخْلافِ ظَنِّهِ، لِأنَّ الإخْبارَ عَنْ قَتْلِهِ قَبْلَهُ إنْ كانَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وصَحَّ السَّنَدُ، كانَ [تَسْمِيَةُ -] العِلْمِ الَّذِي أخَذَهُ عَنْهُ في حَياتِهِ إرْثًا مَجازًا مُرْسَلًا بِاعْتِبارِ ما يَؤُولُ إلَيْهِ في الجُمْلَةِ، لا سِيَّما مَعَ جَوازِ أنْ يَكُونَ يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَّمَهُ لِمَن عاشَ بَعْدَ أبِيهِ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، وذَلِكَ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمّى العِلْمَ إرْثًا عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ التَّبَعِيَّةِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «العُلَماءُ ورَثَةُ الأنْبِياءِ» ولا شَكَّ أنَّ مِن ضَرُورَةِ تَعَلُّمِ العِلْمِ حَياةَ المَأْخُوذِ عَنْهُ، ولَمْ يَرِدْ مَنعٌ مِن تَسْمِيَتِهِ إرْثًا حالَ الأخْذِ، هَذا إذا صَحَّ (p-١٧١)أنَّ يَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ ماتَ قَبْلَ زَكَرِيّا عَلَيْهِ السَّلامُ، وحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ ﴿مِن ورائِي﴾ [مريم: ٥] بِما غابَ عَنْهُ، أيْ عَجَزْتُ عَنْ تَتَبُّعِ أفْعالِ المَوالِي بِنَفْسِي في حالِ الكِبَرِ، وخِفْتُ سُوءَ فِعْلِهِمْ إذا خَرَجُوا مِن عِنْدِي وغابُوا عَنِّي، فَهَبْ لِي ولَدًا يَكُونُ مُتَّصِفًا بِصِفاتِي، فَكانَ ما سَألَهُ، وإنْ لَمْ يَصِحَّ مَوْتُهُ قَبْلَهُ بِالطَّرِيقِ المَذْكُورِ لَمْ يَصِحَّ أصْلًا، ويَنْتَفِي الِاعْتِراضُ رَأْسًا، فَإنَّ التَّوارِيخَ القَدِيمَةَ إنَّما هي عَنِ اليَهُودِ فَهي لا شَيْءَ، مَعَ أنَّ البَغْوِيَّ نَقَلَ في أوَّلِ [تَفْسِيرِ -] سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ ما يَقْتَضِي مَوْتَ زَكَرِيّا قَبْلَ يَحْيى عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَإنَّهُ قالَ: آخِرُ مَن بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ مِن أنْبِيائِهِمْ زَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكانُوا مِن بَيْتِ آلِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَماتَ زَكَرِيّا عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: قُتِلَ، فَلَمّا رَفَعَ اللَّهُ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن بَيْنِ أظْهُرِهِمْ وقَتَلُوا يَحْيى ابْتَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكًا مِن مُلُوكِ بابِلَ يُقالُ لَهُ خُرْدُوشُ فَسارَ إلَيْهِمْ بِأهْلِ بابِلَ حَتّى دَخَلَ عَلَيْهِمُ الشّامَ، فَلَمّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أمَرَ رَأْسًا مِن رُؤُوسِ جُنُودِهِ يُدْعى بَيُوزَرْدانَ صاحِبَ الفِيلِ فَقالَ: إنِّي كُنْتُ قَدْ حَلَفْتُ بِإلَهِي: لَئِنْ أنا ظَهَرْتُ (p-١٧٢)عَلى أهْلِ بَيْتِ المَقْدِسِ لَأُقَتِّلَنَّهم حَتّى تَسِيلَ دِماؤُهم في وسَطِ عَسْكَرِي إلّا أنْ لا أجِدَ أحَدًا أقْتُلُهُ، فَأمَرَهُ أنْ يَقْتُلَهم حَتّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنهُمْ، وأنَّ بَيُوزَرْدانَ دَخَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ فَقامَ في البُقْعَةِ الَّتِي كانُوا يُقَرِّبُونَ فِيها قُرْبانَهُمْ، فَوَجَدَ فِيها دَمًا يَغْلِي فَقالَ: يا بَنِي إسْرائِيلَ! ما شَأْنُ هَذا الدَّمِ [يَغْلِي -]؟ قالُوا: هَذا دَمُ قُرْبانٍ لَنا قَرَّبْناهُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنّا، فَقالَ: ما صَدَقْتُمُونِي، قالُوا: لَوْ كانَ كَأوَّلِ زَمانِنا لَتُقُبِّلَ مِنّا، ولَكِنْ قَدِ انْقَطَعَ مِنّا المُلْكُ والوَحْيُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنّا، فَذَبَحَ مِنهم بَيُوزَرْدانُ عَلى ذَلِكَ الدَّمِ سَبْعَمِائَةٍ وسَبْعِينَ رَجُلًا مِن رُؤُوسِهِمْ فَلَمْ يَهْدَأْ، فَأتى بِسَبْعِمِائَةِ غُلامٍ مِن غِلْمانِهِمْ فَذَبَحَهم عَلى الدَّمِ فَلَمْ يَهْدَأْ، فَأمَرَ بِسَبْعَةِ آلافٍ مِن شِيبِهِمْ وأزْواجِهِمْ فَذَبَحَهم عَلى الدَّمِ فَلَمْ يَبْرُدْ، فَلَمّا رَأى بَيُوزَرْدانُ أنَّ الدَّمَ لا يَهْدَأُ قالَ لَهُمْ: يا بَنِي إسْرائِيلَ! ويْلَكُمُ! اصْدُقُونِي واصْبِرُوا عَلى أمْرِ رَبِّكُمْ، فَقَدْ طالَ ما مَلَكْتُمُ الأرْضَ تَفْعَلُونَ فِيها ما شِئْتُمْ قَبْلَ أنْ لا أتْرُكَ مِنكم نافِخَ نارِ أُنْثى ولا ذَكَرٍ إلّا قَتَلْتُهُ، فَلَمّا رَأوُا الجِدَّ وشِدَّةَ القَتْلِ [صَدَقُوا الخَبَرَ -] فَقالُوا: إنَّ هَذا دَمُ نَبِيٍّ كانَ يَنْهانا عَنْ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِن سُخْطِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَلَوْ أطَعْناهُ فِيها لَكانَ أرْشَدَ لَنا (p-١٧٣)وكانَ يُخْبِرُنا بِأمْرِكم فَلَمْ نُصَدِّقْهُ فَقَتَلْناهُ فَهَذا دَمُهُ، فَقالَ لَهم بَيُوزَرْدانُ: ما كانَ اسْمُهُ؟ قالُوا: يَحْيى بْنَ زَكَرِيّا، قالَ: الآنَ صَدَقْتُمُونِي، بِمِثْلِ هَذا يَنْتَقِمُ مِنكم رَبُّكُمْ، فَلَمّا رَأى بَيُوزَرْدانُ أنَّهم صَدَقُوهُ خَرَّ ساجِدًا وقالَ لِمَن حَوْلَهُ: أغْلِقُوا أبْوابَ المَدِينَةِ وأخْرِجُوا مَن كانَ هَهُنا مِن جَيْشِ خُرْدُوشَ، وخَلا في بَنِي إسْرائِيلَ، ثُمَّ قالَ: يا يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا! قَدْ عَلِمَ رَبِّي ورَبُّكَ ما قَدْ أصابَ قَوْمَكَ مِن أجْلِكَ وما قُتِلَ مِنهم فاهْدَأْ بِإذْنِ اللَّهِ قَبْلَ أنْ لا أُبْقِي مِن قَوْمِكَ أحَدًا، فَهَدَأ الدَّمُ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى، ورَفَعَ بَيُوزَرْدانُ عَنْهُمُ القَتْلَ وقالَ: آمَنتُ بِالَّذِي آمَنَ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ وأيْقَنْتُ أنَّهُ لا رَبَّ غَيْرُهُ، وقالَ لِبَنِي إسْرائِيلَ: إنَّ خُرْدُوشَ أمَرَنِي أنْ أقْتُلَ مِنكم حَتّى تَسِيلَ دِماؤُكم وسَطَ عَسْكَرِهِ، وإنِّي لَسْتُ أسْتَطِيعُ أنْ أعْصِيَهُ، قالُوا لَهُ: افْعَلْ ما أُمِرْتَ بِهِ، فَأمَرَهم فَحَفَرُوا خَنْدَقًا وأمَرَ بِأمْوالِهِمْ مِنَ الخَيْلِ والبِغالِ والحَمِيرِ والإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ، فَذَبَحَها حَتّى سالَ الدَّمُ في العَسْكَرِ، وأمَرَ بِالقَتْلى الَّذِينَ قُتِلُوا قَبْلَ ذَلِكَ فَطُرِحُوا عَلى ما قَتَلَ مِن مَواشِيهِمْ، فَلَمْ يَظُنَّ خُرْدُوشُ إلّا أنَّ ما في الخَنْدَقِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، فَلَمّا بَلَغَ الدَّمُ عَسْكَرَهُ أرْسَلَ إلى بَيُوزَرْدانَ أنِ ارْفَعْ عَنْهُمُ القَتْلَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى بابِلَ وقَدْ أفْنى بَنِي إسْرائِيلَ أوْ كادَ. (p-١٧٤)فَهَذا كَما تَرى ظاهِرٌ في أنَّ يَحْيى تَخَلَّفَ بَعْدَ أبِيهِ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ وكَذا ما تَقَدَّمَ في آلِ عِمْرانَ عَنِ الإنْجِيلِ في قِصَّةِ وِلادَتِهِ.
ولَمّا خَتَمَ دُعاءَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿واجْعَلْهُ رَبِّ﴾ [أيْ أيُّها المُحْسِنُ إلَيَّ -] ﴿رَضِيًّا﴾ أيْ بِعَيْنِ الرِّضا مِنكَ دائِمًا حَتّى يَلْقاكَ عَلى ذَلِكَ، قِيلَ في جَوابِ مِن كَأنَّهُ قالَ: ماذا قالَ لَهُ رَبُّهُ الَّذِي أحْسَنَ الظَّنَّ بِهِ؟:
{"ayah":"یَرِثُنِی وَیَرِثُ مِنۡ ءَالِ یَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











