الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّها هَزَّتْ فَتَساقَطَ الرُّطَبُ، سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فَكُلِي﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنِ الإنْعامِ عَلَيْكِ بِالماءِ والرُّطَبِ أنْ يُقالَ لَكِ تَمْكِينًا مِن كُلٍّ مِنهُما كُلِي مِنَ الرُّطَبِ ﴿واشْرَبِي﴾ مِن ماءِ السَّرِيِّ ﴿وقَرِّي﴾ أيِ اسْتَقِرِّي ﴿عَيْنًا﴾ بِالنَّوْمِ، فَإنَّ المَهْمُومَ لا يَنامُ، والعَيْنُ لا تَسْتَقِرُّ ما دامَتْ يَقْظى، وعَنِ الأصْمَعِيِّ أنَّ المَعْنى: ولْتَبْرُدْ دَمْعَتُكِ، لِأنَّ دَمْعَةَ [الفَرَحِ بارِدَةٌ ودَمْعَةَ -] الحُزْنِ حارَّةٌ، واشْتِقاقُ ”قَرِّي“ مِنَ القَرُورِ، وهو الماءُ البارِدُ - انْتَهى. وقالَ الإمامُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ في دِيوانِهِ: وحَكى الفَرّاءُ أنَّ قُرَيْشًا ومَن حَوْلَهم يَقُولُونَ: قَرِرْتُ بِهِ عَيْنًا - أيْ بِكَسْرِ العَيْنِ - أقَرُّ، وأنَّ أسَدًا وقَيْسًا وتَمِيمًا يَقُولُونَ: قَرَرْتُ بِهِ عَيْنًا - أيْ بِالفَتْحِ [أقِرُّ، قالَ - يَعْنِي الفَرّاءَ: فَمَن قالَ: قَرِرْتُ - أيْ بِالكَسْرِ - قَرًّا، وقَرِّي عَيْنًا - أيْ بِالفَتْحِ -]، وهي القِراءَةُ المَعْرُوفَةُ، ومَن قالَ: قَرَرْتُ، - أيْ بِالفَتْحِ قَرَأ وقِرِّي عَيْنًا - بِكَسْرِ القافِ أيْ وهي [الشّاذَّةُ، قالَ - أيِ القَزّازُ: هي -] لُغَةُ [كُلِّ -] مَن لَقِيتُ مِن أهْلِ نَجْدٍ، والمَصْدَرُ قُرَّةٌ وقُرُورٌ. (p-١٩١)وسَيَأْتِي في القِصَصِ ما يَنْفَعُ هُنا، وهو [عَلى كُلِّ حالٍ -] كِنايَةٌ عَنْ طِيبِ النَّفْسِ وتَأهُّلِها لِأنْ تَنامَ بِالكِفايَةِ في الدُّنْيا بِطَعامِ البَدَنِ وغِذاءِ الرُّوحِ بِكَوْنِهِ آيَةً باهِرَةً، والآخِرَةِ بِالكَرامَةِ [وذَلِكَ عَلى أنْفَعِ الوُجُوهِ، قِيلَ: ما لِلنُّفَساءِ خَيْرٌ مِنَ الرُّطَبِ ولا لِلْمَرِيضِ خَيْرٌ مِنَ العَسَلِ؛ ثُمَّ سَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ مُؤَكِّدًا إيذانًا بِأنَّ أكْثَرَ رُؤْيَتِها في تِلْكَ الأوْقاتِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ -] ﴿فَإمّا تَرَيِنَّ﴾ [أيْ -] يا مَرْيَمُ ﴿مِنَ البَشَرِ أحَدًا﴾ لا تَشُكِّينَ أنَّهُ مِنَ البَشَرِ يُنْكِرُ عَلَيْكِ ﴿فَقُولِي﴾ لِذَلِكَ المُنْكِرِ جَوابًا لَهُ مَعَ التَّأْكِيدِ تَنْبِيهًا عَلى البَراءَةِ لِأنَّ البَرِيءَ يَكُونُ ساكِنًا لِاطْمِئْنانِهِ والمُرْتابَ يَكْثُرُ كَلامُهُ وحَلِفُهُ: ﴿إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ أيِ الَّذِي عَمَّتْ رَحْمَتُهُ فَأدْخَلَنِي فِيها عَلى ضَعْفِي وخَصَّنِي بِما رَأيْتَ مِنَ الخَوارِقِ ﴿صَوْمًا﴾ أيْ صَمْتًا [يُنْجِي مِن كُلِّ وصْمَةٍ -] وإمْساكًا عَنِ الكَلامِ ﴿فَلَنْ﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَنِ النَّذْرِ أنِّي لَنْ ﴿أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيًّا﴾ فَإنَّ كَلامِي يَقْبَلُ الرَّدَّ والمُجادَلَةَ [ -] ولَكِنْ يَتَكَلَّمُ عَنِّي المَوْلُودُ الَّذِي كَلامُهُ لا يَقْبَلُ الدَّفْعَ، وأمّا أنا فَأُنَزِّهُ نَفْسِي عَنْ مُجادَلَةِ السُّفَهاءِ فَلا أُكَلِّمُ إلّا المَلائِكَةَ أوِ الخالِقَ بِالتَّسْبِيحِ والتَّقْدِيسِ وسائِرِ أنْواعِ الذِّكْرِ، قالُوا: ومِن أذَلِّ النّاسِ سَفِيهٌ لَمْ يَجِدْ مُسافِهًا، ومِنَ (p-١٩٢)الدَّلالَةِ عَلَيْهِ بِالصَّمْتِ عَنْ كَلامِ النّاسِ مَعَ ما تَقَدَّمَ الإشارَةُ إلى أنَّهُ رَدْعٌ مُجَرَّدٌ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب