الباحث القرآني
ولَمّا كانَ هَذا مِنَ العَجائِبِ [الَّتِي تَضاءَلَ عِنْدَها العَجائِبُ]، والغَرائِبِ الَّتِي تَخْضَعُ لَدَيْها الغَرائِبُ، وإنْ صارَتْ مَأْلُوفَةً بِكَثْرَةِ التَّكْرارِ، والتَّجَلِّي عَلى الأبْصارِ، هَذا إلى ما لَهُ مِنَ الآياتِ الَّتِي تَزِيدُ عَلى العَدِّ، ولا يُحْصَرُ بِحَدٍّ، مِن خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وتَسْخِيرِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والكَواكِبِ - وغَيْرِ ذَلِكَ، حَقَّرَ آيَةَ أصْحابِ الكَهْفِ - وإنْ كانَتْ مِن أعْجَبِ العَجَبِ - لِاضْمِحْلالِها في جَنْبِ ذَلِكَ، لِأنَّ الشَّيْءَ إذا كانَ كَذَلِكَ كَثُرَ إلْفُهُ فَلَمْ يَعُدْ عَجَبًا، فَنَبَّهَ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى عَطْفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ: أعَلِمْتَ أنَّ هَذا وغَيْرَهُ مِن عَجائِبِ قُدْرَتِنا؟: ﴿أمْ حَسِبْتَ﴾ عَلى ما لَكَ مِنَ العَقْلِ الرَّزِينِ والرَّأْيِ الرَّصِينِ ﴿أنَّ أصْحابَ الكَهْفِ﴾ أيِ الغارِ الواسِعِ المَنقُورِ في الجَبَلِ كالبَيْتِ ﴿والرَّقِيمِ﴾ أيِ القَرْيَةِ أوِ الجَبَلِ ﴿كانُوا﴾ هم فَقَطْ ﴿مِن آياتِنا عَجَبًا﴾ عَلى ما لَزِمَ مِن تَهْوِيلِ السّائِلِينَ مِنَ الكَفَرَةِ مِنَ اليَهُودِ والعَرَبِ، والواقِعُ أنَّهم - وإنْ كانُوا مِنَ العَجائِبِ - لَيْسُوا بِعَجَبٍ بِالنِّسْبَةِ إلى كَثْرَةِ آياتِنا، وبِالنِّسْبَةِ إلى هَذا العَجَبِ [النَّباتِيِّ] الَّذِي أعْرَضْتُمْ عَنْهُ بِإلْفِكم لَهُ مِن كَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ فِيكُمْ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ أخْرَجَ نَباتَ الأرْضِ عَلى تَبايُنِ (p-١٦)أجْناسِهِ، واخْتِلافِ ألْوانِهِ وأنْواعِهِ، وتَضادِّ طَبائِعِهِ، مِن مادَّةٍ واحِدَةٍ، يَهْتَزُّ بِاليَنْبُوعِ، يُبْهِجُ النّاظِرِينَ ويَرُوقُ المُتَأمِّلِينَ، ثُمَّ يُوقِفُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ بِاليُبْسِ والتَّفَرُّقِ إلى التُّرابِ فَيَخْتَلِطُ بِهِ حَتّى لا يُمَيِّزَهُ عَنْ بَقِيَّةِ التُّرابِ، ثُمَّ يُرْسِلُ الماءَ فَيَخْتَلِطُ بِالتُّرابِ فَيَجْمَعُهُ أخْضَرَ يانِعًا يَهْتَزُّ بِالنُّمُوِّ عَلى أحْسَنِ ما كانَ، وهَكَذا كُلَّ سَنَةٍ، فَهَذا بِلا شَكٍّ أعْجَبُ حالًا مِمَّنْ حُفِظَتْ أجْسامُهم مُدَّةً [عَنِ التَّغَيُّرِ] ثُمَّ رُدَّتْ أرْواحُهم فِيها، وقَدْ كانَ في سالِفِ الدَّهْرِ يُعَمَّرُ بَعْضُ [النّاسِ] أكْثَرَ [مِن مِقْدارِ] ما لَبِثُوا، وهَذا الكَهْفُ - قِيلَ: [هُوَ في جِبالٍ] بِمَدِينَةِ طَرْسُوسَ وهو المَشْهُورُ، وقالَ أبُو حَيّانَ: قِيلَ: هو في الرُّومِ، وقِيلَ: في الشّامِ، وقِيلَ: في الأنْدَلُسِ، قالَ: في جِهَةِ غَرْناطَةَ بِقُرْبِ قَرْيَةٍ [تُسَمّى] لُوشَةَ كَهْفٌ فِيهِ مَوْتى ومَعَهم كَلْبٌ [رِمَّةٌ، وأكْثَرُهُمْ] قَدِ انْجَرَدَ لَحْمُهُ، وبَعْضُهم مُتَماسِكٌ وقَدْ مَضَتِ القُرُونُ [السّالِفَةُ] ولَمْ نَجِدْ مَن عَرَفَ شَأْنَهُمْ، ويَزْعُمُ ناسٌ أنَّهم أصْحابُ الكَهْفِ، ونُقِلَ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ قالَ: دَخَلْتُ إلَيْهِمْ سَنَةَ أرْبَعٍ وخَمْسِمِائَةٍ فَرَأيْتُهم بِهَذِهِ الحالَةِ وعَلَيْهِمْ مَسْجِدٌ وقَرِيبٌ مِنهم بِناءٌ رُومِيٌّ يُسَمّى الرَّقِيمَ، [وهُوَ] في فَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، وبِأعْلى حَضْرَةِ غَرْناطَةَ مِمّا يَلِي القِبْلَةَ آثارُ مَدِينَةٍ قَدِيمَةٍ يُقالُ لَها مَدِينَةُ دَقْيُوسَ، ونَقَلَ أبُو حَيّانَ (p-١٧)عَنْ أبِيهِ أنَّهُ حِينَ كانَ بِالأنْدَلُسِ كانَ النّاسُ يَزُورُونَ هَذا الكَهْفَ ويَذْكُرُونَ أنَّهم يَغْلَطُونَ في عِدَّتِهِمْ إذا عَدُّوهم وأنَّ مَعَهم كَلْبًا، قالَ: وأمّا ما ذَكَرْتُ مِن مَدِينَةِ دَقْيُوسَ الَّتِي بِقِبْلِيِّ غَرْناطَةَ، فَقَدْ مَرَرْتُ عَلَيْها مِرارًا لا تُحْصى، قالَ: ويَتَرَجَّحُ كَوْنُ أصْحابِ الكَهْفِ بِالأنْدَلُسِ - انْتَهى مُلَخَّصًا. قُلْتُ: وفِيهِ نَظَرٌ، والَّذِي يُرَجِّحُ المَشْهُورَ ما نَقَلَ البَغْوِيُّ [وغَيْرُهُ] عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: غَزَوْنا مَعَ مُعاوِيَةَ بَحْرَ الرُّومِ فَمَرَرْنا بِالكَهْفِ [الَّذِي فِيهِ أصْحابُ الكَهْفِ] فَإنَّ مُعاوِيَةَ لَمْ يَصِلْ إلى بِلادِ الأنْدَلُسِ واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِیمِ كَانُوا۟ مِنۡ ءَایَـٰتِنَا عَجَبًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق