الباحث القرآني

﴿قالَ﴾ (p-١١٧)الخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”هَذا“ أيِ الوَقْتُ أوِ السُّؤالُ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ سَبَبَ الفِراقِ أوْ مَحَلَّهُ، سَمّاهُ بِهِ مُبالَغَةً فَقالَ: ﴿فِراقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ﴾ يا مُوسى بَعْدَ أنْ كانَ البَيْنانِ بَيْنًا واحِدًا لِاتِّصالِهِما فَلا بَيْنَ، فَهو في الحَقِيقَةِ فَوْقَ ما كانَ مُتَّصِلًا مِن بَيْنِهِما، أوْ فِراقُ التَّقاوُلِ الَّذِي كانَ بَيْنَنا، أيِ الفِراقُ الَّذِي سَبَّبَهُ السُّؤالُ، وإذا نَزَلَ عَلى الِاحْتِباكِ ازْدادَ ظُهُورًا، تَقْدِيرُهُ: فِراقُ بَيْنِي مِن بَيْنِكَ كَما أخْبَرْتَ، وفِراقُ بَيْنِكَ مِن بَيْنِي كَما شَرَطْتُ، وقَدْ أثْبَتَتْ هَذِهِ العِبارَةُ [الفِراقَ -] عَلى أبْلَغِ وجْهٍ، وذَلِكَ أنَّهُ إذا وقَعَ فِراقُ بَيْنِي مِن بَيْنِكَ بِحائِلٍ يَحُولُ بَيْنَهُما فَقَدْ وقَعَ مِنكَ بِطَرِيقِ الأوْلى، وحَقِيقَتُهُ أنَّ البَيْنَ هو الفَراغُ المُنْبَسِطُ الفاصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وهو مُوَزَّعٌ بَيْنَهُما، فَبَيْنُ كُلٍّ مِنهُما مِن مُنْتَصَفِ ذَلِكَ الفَراغِ إلَيْهِ، فَإذا دَخَلَ في ذَلِكَ الفَراغِ شَيْءٌ فَصَلَ بَيْنَهُما، وصارَ بَيْنُ كُلٍّ مِنهُما يُنْسَبُ إلَيْهِ، لِأنَّهُ صارَ بَيْنَ ما يُنْسَبُ إلى كُلٍّ مِنهُما مِنَ البَيْنَيْنِ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْنُهُما مُبايَنَةً، أيْ أنَّ [بَيْنَ -] كُلٍّ مِنهُما غَيْرُ بَيْنِ الآخَرِ ومَن قالَ: إنَّ مَعْنى ”هَذا فِراقُ بَيْنِنا“ زَوالُ الفَصْلِ ووُجُودُ الوَصْلِ، كَذَّبَهُ أنَّ مَعْنى ”هَذا اتِّصالُ بَيْنِنا“ المُواصَلَةُ، فَلَوْ كانَ هَذا مَعْنى ذاكَ أيْضًا لاتَّحَدَ مَعْنى ما يَدُلُّ عَلى الوَصْلِ بِمَعْنى ما يَدُلُّ عَلى الفَصْلِ، وقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحانَهُ (p-١١٨)وتَعالى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ - كَما في تَفْسِيرِ الأصْبَهانِيِّ وغَيْرِهِ - بِما فَعَلَ الخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى ما وقَعَ لَهُ هو مِن مِثْلِهِ سَواءً بِسَواءٍ، فَنَبَّهَهُ - بِخَرْقِ السَّفِينَةِ الَّذِي ظاهِرُهُ هُلْكٌ وباطِنُهُ نَجاةٌ مِن يَدِ الغاصِبِ [عَلى التّابُوتِ الَّذِي أُطْبِقَ عَلَيْهِ وأُلْقِيَ في اليَمِّ خَوْفًا عَلَيْهِ مِن فِرْعَوْنَ الغاصِبِ -] فَكانَ ظاهِرُهُ [هُلْكًا -] وباطِنُهُ نَجاةً، وبِقَتْلِ الغُلامِ عَلى أنَّهُ كانَ مَعْصُومَ الحَرَكَةِ في نَفْسِ الأمْرِ في قَتْلِهِ القِبْطِيَّ وإنْ لَمْ يَكُنْ إذْ ذاكَ يَعْلَمُهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يُنَبَّأْ، وبِإقامَةِ الجِدارِ مِن غَيْرِ أجْرٍ عَلى سَقْيِهِ لِبَناتِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِن غَيْرِ أجْرٍ مَعَ احْتِياجِهِ لِذَلِكَ. ولَمّا كانَ مِنَ المَعْلُومِ شِدَّةُ اسْتِشْرافِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ إلى الوُقُوفِ عَلى باطِنِ هَذِهِ الأُمُورِ، قالَ مُجِيبًا لَهُ عَنْ هَذا السُّؤالِ: ﴿سَأُنَبِّئُكَ﴾ يا مُوسى بِوَعْدٍ لا خُلْفَ فِيهِ إنْباءً عَظِيمًا ﴿بِتَأْوِيلِ﴾ أيْ بِتَرْجِيعِ ﴿ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ لِمُخالَفَتِهِ عِنْدَكَ الحِكْمَةَ [إلى الحِكْمَةِ -] وهو أنَّ عِنْدَ تَعارُضِ الضَّرَرَيْنِ يَجِبُ ارْتِكابُ الأدْنى لِدَفْعِ الأقْوى بِشَرْطِ التَّحَقُّقِ، وأثْبَتَ تاءَ الِاسْتِفْعالِ هُنا وفِيما قَبْلَهُ إعْلامًا بِأنَّهُ (p-١١٩)ما نَفى إلّا القُدْرَةَ البَلِيغَةَ عَلى الصَّبْرِ، إشارَةً إلى صُعُوبَةِ ما حَمَلَ مُوسى مِن ذَلِكَ، لا مُطْلَقَ القُدْرَةِ عَلى الصَّبْرِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب