الباحث القرآني

﴿قالَ﴾ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُعَجِّبًا لَهُ: ﴿أرَأيْتَ﴾ ما دَهانِي؟ ﴿إذْ أوَيْنا إلى الصَّخْرَةِ﴾ الَّتِي بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ ﴿فَإنِّي﴾ أيْ [بِسَبَبِ أنِّي -] ﴿نَسِيتُ الحُوتَ﴾ أيْ نَسِيتُ أنْ أذْكُرَ لَكَ أمْرَهُ الَّذِي كانَ هُناكَ؛ ثُمَّ زادَ التَّعْجِيبَ مِن هَذا النِّسْيانِ بِالِاعْتِراضِ بَيْنَ الإخْبارِ بِهِ مُجْمَلًا وبَيْنَ تَفْصِيلِ أمْرِهِ وبِإيقاعِ النِّسْيانِ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلى ذِكْرِهِ فَقالَ تَعالى: ﴿وما أنْسانِيهُ﴾ مَعَ كَوْنِهِ عَجِيبًا ﴿إلا الشَّيْطانُ﴾ بِوَساوِسِهِ. ولَمّا كانَ المَقامُ لِلتَّدْرِيبِ في عَظِيمِ تَصَرُّفِ اللَّهِ تَعالى [فِي القُلُوبِ -] بِإثْباتِ العِلْمِ ونَفْيِهِ وإنْ كانَ ضَرُورِيًّا، ذَكَرَ نِسْيانَهُ، ثُمَّ أبْدَلَ مِن ضَمِيرِهِ (p-١٠٠)قَوْلَهُ تَعالى: ﴿أنْ أذْكُرَهُ﴾ لَكَ فَإنَّهُ عاشَ فانْسابَ مِنَ المِكْتَلِ في البَحْرِ ﴿واتَّخَذَ سَبِيلَهُ﴾ أيْ طَرِيقَهُ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ ﴿فِي البَحْرِ عَجَبًا﴾ وذِكْرُهُ [لَهُ -] الآنَ مانِعٌ مِن أنْ يَكُونَ لِلشَّيْطانِ عَلَيْهِ سُلْطانٌ عَلى أنَّ هَذا الإنْساءَ لَيْسَ مُفَوِّتًا لِطاعَةٍ، بَلْ فِيهِ تَرْقِيَةٌ لَهُما في مَعارِجِ المَقاماتِ العالِيَةِ لِوِجْدانِ التَّعَبِ بَعْدَ المَكانِ الَّذِي فِيهِ البُغْيَةُ، وحِفْظِ الماءِ مُنْجابًا عَلى طُولِ الزَّمانِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن آياتِ الإيقانِ، وقَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّما سُلْطانُهُ عَلى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ [النحل: ١٠٠] مُبَيِّنٌ أنَّ السُّلْطانَ الحَمْلُ عَلى المَعاصِي، وقَدْ كانَ في هَذِهِ [القِصَّةِ -] خَوارِقُ حَياةِ الحُوتِ وإيجادُ ما كانَ أُكِلَ مِنهُ، وإمْساكُ الماءِ عَنْ مَدْخَلِهِ، وقَدِ اتَّفَقَ لِنَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ نَفْسِهِ أوْ أتْباعِهِ بِبَرَكَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. أمّا إعادَةُ ما أُكِلَ مِنَ الحُوتِ المَشْوِيِّ - وهو جَنْبُهُ - فَقَدْ رَوى البَيْهَقِيُّ في أواخِرِ دَلائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قالَ: «خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ إلى الحَجَّةِ الَّتِي حَجَّها حَتّى إذا كُنّا بِبَطْنِ الرَّوْحاءِ - فَذَكَرَ قِصَّةَ المَرْأةِ الَّتِي أبْرَأ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ ولَدَها مِنَ الجُنُونِ إلى أنْ قالَ: فَلَمّا قَضى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ حَجَّتَهُ انْصَرَفَ حَتّى إذا نَزَلَ بِبَطْنِ الرَّوْحاءِ (p-١٠١)أتَتْهُ تِلْكَ المَرْأةُ بِشاةٍ قَدْ شَوَتْها، فَأمَرَ بِأخْذِ تِلْكَ الشّاةِ مِنها ثُمَّ قالَ: يا أُسَيْمُ - وكانَ إذا دَعاهُ رَخَّمَهُ! ناوِلْنِي ذِراعًا، وكانَ أحَبَّ الشّاةِ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ مُقَدَّمُها، ثُمَّ قالَ: يا أُسَيْمُ! ناوِلْنِي ذِراعًا! فَناوَلْتُهُ، ثُمَّ قالَ: [يا أُسَيْمُ! ناوِلْنِي ذِراعًا! فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّما هُما ذِراعانِ وقَدْ ناوَلْتُكَ، فَقالَ -]: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ [ما زِلْتَ تُناوِلُنِي ذِراعًا ما قُلْتُ لَكَ: ناوِلْنِي ذِراعًا -]» [فَقَدْ أخْبَرَ ﷺ أنَّهُ لَوْ سَكَتَ -] أوْجَدَ اللَّهُ لَها ذِراعًا ثُمَّ ذِراعًا وهَكَذا، وقَوْلُهُ الحَقُّ الَّذِي لا فَرْقَ [بَيْنَهُ -] وهو في عالَمِ الغَيْبِ وبَيْنَ ما وُجِدَ في عالَمِ الشَّهادَةِ. وأمّا حَياةُ [الحُوتِ -] المَشْوِيِّ فَقَدْ مَضى عِنْدَ ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧] ما هو أكْبَرُ مِن ذَلِكَ في قِصَّةِ الشّاةِ المَشْوِيَّةِ المَسْمُومَةِ، وهو أنَّ ذِراعَها أخْبَرَ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ [أنَّهُ مَسْمُومٌ -] فَهو أعْظَمُ مِن عَوْدِ الحَياةِ مِن غَيْرِ نُطْقٍ، وكَذا حَنِينُ الجِذْعِ، وسَلامُ الحَجَرِ، وتَسْبِيحُ الحَصا، وتَأْمِينُ أُسْكُفَّةِ [البابِ -] وحَوائِطِ (p-١٠٢)البَيْتِ ونَحْوُ ذَلِكَ أعْظَمُ مِن عَوْدِ الحَياةِ إلى ما كانَ حَيًّا، فَقَدْ رَوى البَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوادٍ قالَ: قالَ لِي الشّافِعِيُّ: ما أعْطى اللَّهُ نَبِيًّا ما أعْطى مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أعْطى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ إحْياءَ المَوْتى؟ فَقالَ: أعْطى مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ الجِذْعَ - الَّذِي كانَ يَخْطُبُ إلى جَنْبِهِ حَتّى هُيِّئَ لَهُ المِنبَرُ، فَلَمّا هُيِّئَ لَهُ المِنبَرُ حَنَّ الجِذْعُ حَتّى سُمِعَ صَوْتُهُ - فَهَذا أكْبَرُ مِن ذاكَ - انْتَهى. عَلى أنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ في آلِ عِمْرانَ وفي آخِرِ البَقَرَةِ في قِصَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أشْياءُ مِن إحْياءِ المَوْتى لَهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ ولِبَعْضِ أُمَّتِهِ. وأمّا آيَةُ الماءِ فَمَرْجِعُها إلى صَلابَتِهِ، ولا فَرْقَ بَيْنَ جُمُودِهِ بِعَدَمِ الِالتِئامِ بَعْدَ الِانْخِراقِ وبَيْنَ جُمُودِهِ وصَلابَتِهِ بِالِامْتِناعِ مِنَ الانْخِراقِ، وقَدْ رَوى البَيْهَقِيُّ في ذَلِكَ ما فِيهِ آيَةٌ مِنَ الإحْياءِ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ (p-١٠٣)أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «كُنّا في الصُّفَّةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَأتَتْهُ امْرَأةٌ [مُهاجِرَةٌ -] ومَعَها ابْنٌ لَها [قَدْ بَلَغَ -] فَأضافَ المَرْأةَ إلى النِّساءِ وأضافَ ابْنَها إلَيْنا، فَلَمْ يَلْبَثْ أنْ أصابَهُ وباءُ المَدِينَةِ فَمَرِضَ أيّامًا ثُمَّ قُبِضَ فَغَمَّضَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ وأمَرَ بِجَهازِهِ، [فَلَمّا -] أرَدْنا أنْ نَغْسِلَهُ قالَ: ائْتِ أُمَّهُ فَأعْلِمْها، فَجاءَتْ حَتّى جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ فَأخَذَتْ بِهِما، ثُمَّ قالَتِ: اللَّهُمَّ [إنِّي أسْلَمْتُ لَكَ طَوْعًا، وخَلَعْتُ الأوْثانَ زُهْدًا، وهاجَرْتُ إلَيْكَ رَغْبَةً، اللَّهُمَّ -] لا تُشْمِتْ بِي عَبَدَةَ الأوْثانِ، ولا تُحَمِّلْنِي مِن هَذِهِ المُصِيبَةِ ما لا طاقَةَ لِي بِحَمْلِها، قالَ: فَواللَّهِ ما تَقَضّى كَلامُها حَتّى حَرَّكَ قَدَمَيْهِ، وألْقى الثَّوْبَ عَنْ وجْهِهِ، [وعاشَ -] حَتّى قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ وحَتّى هَلَكَتْ أُمُّهُ؛ ثُمَّ جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعْنِي جَيْشًا، واسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ العَلاءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ، قالَ: وكُنْتُ في غُزاتِهِ، فَأتَيْنا مَغازِينا فَوَجَدْنا القَوْمَ قَدْ تَدَرَّوْا بِنا، فَعَفَّوْا آثارَ الماءِ، قالَ: و[كانَ -] حَرٌّ شَدِيدٌ، فَجَهَدَنا العَطَشُ ودَوابَّنا، وذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَلَمّا مالَتِ الشَّمْسُ لِغُرُوبِها صَلّى بِنا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ وما نَرى في السَّماءِ شَيْئًا، فَواللَّهِ ما حَطَّ [يَدَهُ -] حَتّى بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا وأنْشَأ سَحابًا فَأفْرَغَتْ حَتّى مَلَأتِ الغُدُرَ والشِّعابَ، فَشَرِبْنا وسَقَيْنا واسْتَقَيْنا (p-١٠٤)ثُمَّ أتَيْنا عَدُوَّنا وقَدْ جاوَزُوا خَلِيجًا في البَحْرِ إلى جَزِيرَةٍ، فَوَقَفَ عَلى الخَلِيجِ وقالَ: يا عَلِيُّ يا عَظِيمُ يا حَلِيمُ يا كَرِيمُ! ثُمَّ قالَ: أجِيزُوا بِاسْمِ اللَّهِ! فَأجَزْنا ما يَبُلُّ الماءُ حَوافِرَ دَوابِّنا، فَأصَبْنا العَدُوَّ غِيلَةً فَقَتَلْنا وأسَرْنا وسَبَيْنا ثُمَّ أتَيْنا الخَلِيجَ فَقالَ مِثْلَ مَقالَتِهِ فَأجَزْنا ما يَبُلُّ الماءُ حَوافِرَ دَوابِّنا». وأخْبَرَنا أبُو الحُسَيْنِ بْنُ بِشْرانَ أنا إسْماعِيلُ الصَّفّارُ نا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفّانَ [أنْبَأنا -] ابْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ بَعْضِ أصْحابِهِ، قالَ: انْتَهَيْنا إلى دِجْلَةَ وهي مادَّةٌ، والأعاجِمُ خَلْفَها، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ أقْحَمَ فَرَسَهُ فانْدَفَعَ عَلى الماءِ، فَقالَ النّاسُ: بِسْمِ اللَّهِ بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اقْتَحَمُوا فارْتَفَعُوا عَلى الماءِ، فَلَمّا نَظَرَ إلَيْهِمُ [الأعاجِمُ -] قالُوا: دِيوانُ دِيوانُ، ثُمَّ ذَهَبُوا عَلى وُجُوهِهِمْ، فَما فَقَدُوا إلّا قَدَحًا كانَ مُعَلَّقًا بِعَذَبَةِ سَرْجٍ، فَلَمّا خَرَجُوا أصابُوا الغَنائِمَ فاقْتَسَمُوها. أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أنا أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّمِذِيُّ ثَنا أبُو العَبّاسِ السَّرّاجُ ثَنا الفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ وهارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قالا: ثَنا سُلَيْمانُ بْنُ المُغِيرَةِ أنَّ أبا مُسْلِمٍ الخَوْلانِيَّ جاءَ إلى الدِّجْلَةِ وهي تَرْمِي بِالخَشَبِ مِن مَدِّها، فَمَشى عَلى الماءِ والتَفَتَ إلى أصْحابِهِ وقالَ: هَلْ تَفْقِدُونَ مِن مَتاعِكم شَيْئًا (p-١٠٥)فَنَدْعُو اللَّهَ - قالَ البَيْهَقِيُّ: هَذا إسْنادٌ صَحِيحٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب