الباحث القرآني

﴿ووُضِعَ﴾ بِأيْسَرِ أمْرٍ بَعْدَ العَرْضِ المُسْتَعْقِبِ لِلْجَمْعِ بِأدْنى إشارَةٍ ﴿الكِتابُ﴾ المَضْبُوطُ فِيهِ دَقائِقُ الأعْمالِ وجَلائِلُها عَلى وجْهٍ بَيِّنٍ لا يَخْفى عَلى قارِئٍ ولا غَيْرِهِ شَيْءٌ مِنهُ ﴿فَتَرى المُجْرِمِينَ﴾ لِتَقَرَّ عَيْنُكَ مِنهم بِشَماتَةٍ لا خَيْرَ بَعْدَها ﴿مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ﴾ مِن قَبائِحِ أعْمالِهِمْ، وسَيِّئِ أفْعالِهِمْ وأقْوالِهِمْ أيْ خائِفِينَ دائِمًا خَوْفًا عَظِيمًا مِن عِقابِ الحَقِّ والفَضِيحَةِ عِنْدَ الخَلْقِ ﴿ويَقُولُونَ﴾ أيْ يُجَدِّدُونَ ويُكَرِّرُونَ قَوْلَهُمْ: ﴿يا ويْلَتَنا﴾ كِنايَةً عَنْ أنَّهُ لا نَدِيمَ لَهم إذْ ذاكَ إلّا الهَلاكَ ﴿مالِ هَذا الكِتابِ﴾ أيْ أيُّ شَيْءٍ لَهُ حالَ كَوْنِهِ عَلى غَيْرِ حالِ الكُتُبِ في الدُّنْيا، ورَسْمُ لامِ الجَرِّ وحْدَهُ إشارَةٌ إلى أنَّهم صارُوا مِن قُوَّةِ الرُّعْبِ وشِدَّةِ الكَرْبِ يَقِفُونَ عَلى بَعْضِ الكُتُبِ، وفَسَّرُوا حالَ الكِتابِ الَّتِي أفْظَعَتْهم وسَألُوا عَنْها بِقَوْلِهِمْ: ﴿لا يُغادِرُ﴾ أيْ يَتْرُكُ [أيْ يَقَعُ -] مِنهُ غَدْرٌ، أيْ عَدَمُ وفاءٍ (p-٧٣)[وهُوَ مِن غادَرَ الشَّيْءَ: تَرَكَهُ - كَأنَّ كُلًّا مِنهُما يُرِيدُ غَدْرَ الآخَرِ، أيْ عَدَمَ الوَفاءِ بِهِ، مِنَ الغَدِيرِ - لِقِطْعَةٍ مِنَ -] الماءِ يَتْرُكُها السَّيْلُ كَأنَّهُ لَمْ يُوفِ لَهُما بِأخْذِ ما مَعَهُ، وكَذا الغَدِيرَةُ لِناقَةٍ تَرَكَها الرّاعِي ”صَغِيرَةً“ أيْ مِن أعْمالِنا. ولَمّا هالَهم إثْباتُ جَمِيعِ الصَّغائِرِ، بَدَؤُوا بِها، وصَرَّحُوا بِالكَبائِرِ - وإنْ كانَ إثْباتُ الصَّغائِرِ يُفْهِمُها - تَأْكِيدًا لِأنَّ المَقامَ لِلتَّهْوِيلِ وتَعْظِيمِ التَّفَجُّعِ، وإشارَةً إلى أنَّ الَّذِي جَرَّهم إلَيْها هو الصَّغائِرُ - كَما قالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقالُوا: ﴿ولا كَبِيرَةً إلا أحْصاها﴾ ولَمّا كانَ الإحْصاءُ قَدْ لا يَسْتَلْزِمُ اطِّلاعَ صاحِبِ الكِتابِ وجَزاءَهُ عَلَيْهِ، نَفى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ووَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِرًا﴾ كِتابَةً وجَزاءً مِن غَيْرِ أنْ يَظْلِمَهم [سُبْحانَهُ -] أوْ يَظْلِمَ مَن عادُوهم فِيهِ ﴿ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ﴾ الَّذِي رَبّاكَ بِخُلُقِ القُرْآنِ ﴿أحَدًا﴾ مِنهم ولا مِن غَيْرِهِمْ في كِتابٍ ولا عِقابٍ ولا ثَوابٍ، بَلْ يُجازِي الأعْداءَ بِما يَسْتَحِقُّونَ، تَعْذِيبًا لَهم وتَنْعِيمًا لِأوْلِيائِهِ الَّذِينَ عادُوهم فِيهِ لِلْعَدْلِ بَيْنَهُمْ؛ رَوى الإمامُ أحْمَدُ في المُسْنَدِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما «أنَّهُ سافَرَ إلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ فاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ قالَ: فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ فاعْتَنَقَنِي واعْتَنَقْتُهُ، قُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أنَّكَ سَمِعْتَهُ مِن (p-٧٤)رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ في القِصاصِ، فَخَشِيتُ أنْ تَمُوتَ قَبْلَ أنْ أسْمَعَهُ، فَقالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: ”يَحْشُرُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ النّاسَ - أوْ قالَ: العِبادَ - حُفاةً عُراةً بُهْمًا قُلْتُ: وما بُهْمًا؟ [قالَ -]: لَيْسَ مَعَهم شَيْءٌ، ثُمَّ يُنادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَن بَعُدَ كَما يَسْمَعُهُ مَن قَرُبَ: أنا المَلِكُ أنا الدَّيّانُ، لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ [مِن أهْلِ النّارِ أنْ يَدْخُلَ النّارَ ولَهُ عِنْدَ أحَدٍ مِن أهْلِ الجَنَّةِ حَقٌّ حَتّى أقُصَّهُ مِنهُ، ولا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن أهْلِ الجَنَّةِ -] أنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ ولَهُ عِنْدَ أحَدٍ مِن أهْلِ النّارِ حَقٌّ حَتّى أقُصَّهُ مِنهُ [حَتّى اللَّطْمَةُ -]، قالَ: قُلْنا: كَيْفَ وإنَّما [نَأْتِي اللَّهَ -] حُفاةً عُراةً بُهْمًا؟ قالَ: بِالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ“» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب