الباحث القرآني

ولَمّا رَغَّبَهُ في أوْلِيائِهِ، وزَهَّدَهُ في أعْدائِهِ، تَرْضِيَةً بِقَدْرِهِ بَعْدَ [أنْ] قَصَّ الحَقَّ مِن قِصَّةِ أهْلِ الكَهْفِ لِلْمُتَعَنِّتِينَ، عَلَّمَهُ ما يَقُولُ لَهم عَلى وجْهٍ يَعُمُّهم ويَعُمُّ غَيْرَهم ويَعُمُّ القِصَّةَ وغَيْرَها فَقالَ تَعالى مُهَدِّدًا ومُتَوَعِّدًا - كَما نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكَذا عَنْ غَيْرِهِ: (p-٥٢)﴿وقُلِ﴾ أيْ لَهم ولِغَيْرِهِمْ: هَذا الَّذِي جِئْتُكم بِهِ مِن هَذا الوَحْيِ العَرَبِيِّ العَرِيِّ عَنِ العِوَجِ، الظّاهِرِ الإعْجازِ، الباهِرِ الحُجَجِ ﴿الحَقُّ﴾ كائِنًا ﴿مِن رَبِّكُمْ﴾ المُحْسِنِ [إلَيْكم -] في أمْرِ أهْلِ الكَهْفِ [وغَيْرِهِمْ -] مِن صَبْرِ نَفْسِي مَعَ المُؤْمِنِينَ، والإعْراضِ عَمَّنْ سِواهم وغَيْرِ ذَلِكَ، لا ما قُلْتُمُوهُ في أمْرِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الحَقُّ مُبْتَدَأً ﴿فَمَن شاءَ﴾ أيْ مِنكم ومِن غَيْرِكم ﴿فَلْيُؤْمِن﴾ بِهَذا الَّذِي قَصَصْناهُ فِيهِمْ وفي غَيْرِهِمْ، فَهو مَقْبُولٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وإنْ كانَ فَقِيرًا زَرِيَّ الهَيْئَةِ ولَمْ يَنْفَعْ إلّا نَفْسَهُ ﴿ومَن شاءَ﴾ مِنكم ومِن غَيْرِكم ﴿فَلْيَكْفُرْ﴾ فَهو أهْلٌ لِأنْ يُعْرَضُ عَنْهُ ولا يُلْتَفَتَ إلَيْهِ وإنْ كانَ أغْنى النّاسِ وأحْسَنَهم هَيْئَةً، وإنْ تَعاظَمَتْ هَيْبَتُهُ لِما اشْتَدَّ مِن أذاهُ، وأفْرَطَ مِن ظُلْمِهِ، وسَنَشْفِي قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ في الدّارَيْنِ بِالِانْتِقامِ مِنهُ، والآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ كُلًّا مِنَ الكُفْرِ والإيمانِ مَوْقُوفٌ عَلى المَشِيئَةِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى، لِأنَّ الفِعْلَ الِاخْتِيارِيَّ يَمْتَنِعُ حُصُولُهُ بِدُونِ القَصْدِ إلَيْهِ وذَلِكَ القَصْدُ إنْ كانَ بِقَصْدٍ آخَرَ يَتَقَدَّمُهُ لَزِمَ أنْ (p-٥٣)يَكُونَ كُلُّ قَصْدٍ مَسْبُوقًا بِقَصْدٍ آخَرَ إلى غَيْرِ النِّهايَةِ وهو مُحالٌ، فَوَجَبَ أنْ تَنْتَهِيَ [تِلْكَ -] القُصُودُ إلى قَصْدٍ يَخْلُقُهُ اللَّهُ في العَبْدِ عَلى سَبِيلِ الضَّرُورَةِ يَجِبُ بِهِ الفِعْلُ، فالإنْسانُ مُضْطَرٌّ في صُورَةِ مُخْتارٍ، فَلا دَلِيلَ لِلْمُعْتَزِلَةِ في هَذِهِ الآيَةِ. ولَمّا هَدَّدَ السّامِعِينَ بِما حاصِلُهُ: لِيَخْتَرْ كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ ما يَجِدُهُ غَدًا عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، أتْبَعَ هَذا التَّهْدِيدَ تَفْصِيلًا لِما أعَدَّ لِلْفَرِيقَيْنِ مِنَ الوَعْدِ [والوَعِيدِ -] لَفًّا ونَشْرًا مُشَوَّشًا - بِما يَلِيقُ بِهَذا الأُسْلُوبِ المُشِيرِ إلى أنَّهُ لا كُفْؤَ لَهُ مِن نُونِ العَظَمَةِ فَقالَ تَعالى: ﴿إنّا أعْتَدْنا﴾ أيْ هَيَّأْنا بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ تَهْيِئَةً قَرِيبَةً جِدًّا، وأحْضَرْنا عَلى وجْهٍ ضَخْمٍ شَدِيدٍ تامِّ التَّقْدِيرِ ﴿لِلظّالِمِينَ﴾ أيْ لِمَن لَمْ يُؤْمِن، ولَكِنَّهُ وصْفُ إشارَةٍ إلى تَعْلِيقِ الحُكْمِ بِهِ ﴿نارًا﴾ جَعَلْناها مُعَدَّةً لَهم ﴿أحاطَ بِهِمْ﴾ كُلِّهِمْ ﴿سُرادِقُها﴾ أيْ حائِطُها الَّذِي يُدارُ حَوْلَها كَما يُدارُ الحَظِيرُ حَوْلَ الخَيْمَةِ مِن جَمِيعِ الجَوانِبِ. ولَمّا كانَ المَحْرُورُ شَدِيدَ الطَّلَبِ لِلْماءِ قالَ تَعالى: ﴿وإنْ يَسْتَغِيثُوا﴾ مِن حَرِّ النّارِ فَيَطْلُبُوا الغَيْثَ - وهو ماءُ المَطَرِ - والغَوْثَ بِإحْضارِهِ لَهُمْ؛ وشاكَلَ اسْتِغاثَتَهم تَهَكُّمًا بِهِمْ فَقالَ تَعالى: ﴿يُغاثُوا بِماءٍ﴾ لَيْسَ كالماءِ الَّذِي قَدَّمْنا الإشارَةَ إلى أنّا نُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ صَيْرُورَتِها صَعِيدًا جُرُزًا، (p-٥٤)[بَلْ -] ﴿كالمُهْلِ﴾ وهو القَطِرانُ الرَّقِيقُ وما ذابَ مِن صُفْرٍ أوْ حَدِيدٍ [والزَّيْتُ -] أوْ دُرْدِيُّهُ - قالَهُ في القامُوسِ. وشَبَّهَهُ بِهِ مِن أجْلِ تَناهِي الحَرِّ مَعَ كَوْنِهِ ثَخِينًا، وبَيَّنَ وجْهَ الشَّبَهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَشْوِي الوُجُوهَ﴾ أيْ إذا قُرِّبَ إلى الفَمِ فَكَيْفَ بِالفَمِ والجَوْفِ! ثُمَّ وصَلَ بِذَلِكَ ذَمَّهُ فَقالَ تَعالى: ﴿بِئْسَ الشَّرابُ﴾ أيْ هُوَ، فَإنَّهُ أسْوَدُ مُنْتِنٌ غَلِيظٌ حارٌّ، وعَطَفَ عَلَيْهِ ذَمَّ النّارِ المُعَدَّةِ [لَهم -] فَقالَ تَعالى: ﴿وساءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ أيْ مَنزِلًا يُعَدُّ لِلِارْتِفاقِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَما لِمَن آمَنَ؟ فَقالَ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب