الباحث القرآني
﴿وتَرى﴾ لَوْ رَأيْتَ كَهْفَهم ﴿الشَّمْسَ إذا طَلَعَتْ﴾
ولَمّا كانَ حالُهم خَفِيًّا، وكَذا حالُ انْتِقالِ الشَّمْسِ عِنْدَ مَن لَمْ يُراقِبْهُ، (p-٢٥)أدْغَمَ تاءَ التَّفاعُلِ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو، وأسْقَطَها عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ، فَقالَ تَعالى: ﴿تَزاوَرُ﴾ أيْ تَتَمايَلُ وتَتَحَرَّفُ، ولَعَلَّ قِراءَةَ ابْنِ عامِرٍ ويَعْقُوبَ (تَزْوَرُّ) بِوَزْنِ تَحْمَرُّ ناظِرَةٌ إلى الحالِ عِنْدَ نِهايَةِ المَيْلِ ﴿عَنْ كَهْفِهِمْ﴾ بِتَقَلُّصِ شُعاعِها بِارْتِفاعِها إلى أنْ تَزُولَ ﴿ذاتَ اليَمِينِ﴾ إذا كُنْتَ مُسْتَقْبِلًا القِبْلَةَ وأنْتَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ أوْ مُسْتَقْبِلًا الشَّمْسَ فَيُصِيبُهم مِن حَرِّها ما يَمْنَعُ عَنْهُمُ التَّعَفُّنَ ويَمْنَعُ سَقْفُ الكَهْفِ شِدَّةَ الحَرارَةِ المُفْسِدَةَ في بَقِيَّةِ النَّهارِ ﴿وإذا غَرَبَتْ﴾ أيْ أخَذَتْ في المَيْلِ إلى الغُرُوبِ ﴿تَقْرِضُهُمْ﴾ أيْ تَعْدِلُ في مَسِيرِها عَنْهم ﴿ذاتَ الشِّمالِ﴾ كَذَلِكَ، لِئَلّا يَضُرَّهم شِدَّةُ الحَرارَةِ، ويُصِيبَهم مِن مَنافِعِها مِثْلُ ما كانَ عِنْدَ الطُّلُوعِ، فَلا يَزالُ كَهْفُهم رَطْبًا، ويَأْتِيهِ مِنَ الهَواءِ الطَّيِّبِ والنَّسِيمِ المُلائِمِ ما يَصُونُهم عَنِ التَّعَفُّنِ والفَسادِ، فَتَحَرَّرَ بِذَلِكَ أنَّ بابَ الغارِ مُقابِلٌ لِبَناتِ نَعْشٍ، وأنَّ الجَبَلَ الَّذِي هم فِيهِ شَمالِيَّ مَكَّةَ المُشَرَّفَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ يَمِينَ مَن يَخْرُجُ مِنَ الكَهْفِ وشِمالَهُ، فَلا يَلْزَمُ ذَلِكَ، [و-] قالَ الأصْبَهانِيُّ: قِيلَ: إنَّ بابَ ذَلِكَ كانَ مَفْتُوحًا (p-٢٦)إلى جانِبِ الشِّمالِ إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَنْ يَمِينِ الكَهْفِ، وإذا غَرَبَتْ كانَتْ عَلى شِمالِهِ.
ومادَّةُ قَرَضَ، ولَيْسَ لَها إلّا هَذا التَّرْكِيبُ - تَدُورُ عَلى القَطْعِ، ويَلْزَمُهُ المَيْلُ عَنِ الشَّيْءِ والعُدُولُ والِازْوِرارُ عَنْهُ، قَرَضْتُ الشَّيْءَ، - بِالفَتْحِ - أقْرِضُهُ - بِالكَسْرِ: قَطَعْتُهُ بِالمِقْراضِ أوْ بِغَيْرِهِ - لِأنَّكَ إذا وصَلْتَ إلَيْهِ فَقَدْ حاذَيْتَهُ فَإذا قَطَعْتَهُ تَجاوَزْتَهُ فانْحَرَفْتَ عَنْهُ، والقَرْضُ: قَوْلُ الشِّعْرِ خاصَّةً - لِأنَّهُ لا شَيْءَ مِنَ الكَلامِ يُشْبِهُهُ فَهو مَقْطُوعٌ مِنهُ مائِلٌ عَنْهُ بِما خُصَّ بِهِ مِنَ المِيزانِ، وهَلْ مَرَرْتَ بِمَكانِ كَذا؟ فَتَقُولُ: قَرَضْتُهُ ذاتَ اليَمِينِ لَيْلًا، أيْ كانَ عَنْ يَمِينِي، والقَرْضُ: ما تُعْطِيهِ مِنَ المالِ لِتُقْضاهُ - لِأنَّكَ قَطَعْتَهُ مِن مالِكَ، والقِرْضُ - بِالكَسْرِ: لُغَةٌ فِيهِ عَنِ الكِسائِيِّ، والقَرْضُ: ما سَلَّفْتَ مِن إحْسانٍ أوْ إساءَةٍ - عَلى التَّشْبِيهِ، والتَّقْرِيضُ: المَدْحُ والذَّمُّ - لِأنَّهُ يُمَيِّزُ الكَلامَ فِيهِ تَمْيِيزًا ظاهِرًا، وهُما يَتَقارَضانِ كَذا - كَأنَّ كُلًّا مِنهُما مُقْرِضٌ لِصاحِبِهِ ومُوفٍ لَهُ عَلى ما أقْرَضَهُ، والمُقارَضَةُ: المُضارَبَةُ - لِأنَّ صاحِبَ المالِ قَطَعَ مِن مالِهِ، والعامِلَ قَطَعَ مِن عَمَلِهِ حِصَّةً لِهَذا المالِ، قَرَضَ فُلانٌ الرِّباطَ - إذا ماتَ، (p-٢٧)لِأنَّهُ إذا انْقَطَعَتْ حَياتُهُ انْقَطَعَ كُلُّ رِباطٍ لَهُ في الدُّنْيا، وجاءَ فُلانٌ وقَدْ قَرَضَ رِباطَهُ - إذا جاءَ مَجْهُودًا قَدْ أشْرَفَ عَلى المَوْتِ - كَأنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِلْمُقارَبَةِ، والمُقارَضَةُ: المُشاتَمَةُ - لِقَطْعِها العِرْضَ وما بَيْنَ المُتَشاتِمِينَ، والِاقْتِراضُ: الِاغْتِيابُ - مِن ذَلِكَ ومِنَ القَرْضِ أيْضًا، لِأنَّ مَنِ اغْتابَ اغْتِيبَ، وقَرِضَ - بِالكَسْرِ - إذا زالَ مِن شَيْءٍ إلى شَيْءٍ - لِأنَّهُ بِوَصْلِ الثّانِي قَطَعَ الأوَّلَ، وقَرَضَ - إذا ماتَ، والمَقارِضُ: الزَّرْعُ القَلِيلُ - إمّا لِلْإزالَةِ عَلى الضِّدِّ مِنَ الكَثِيرِ، أوْ تَشْبِيهٌ بِمَواضِعِ الِاسْتِقاءِ في البِئْرِ القَلِيلَةِ الماءِ، فَإنَّ المَقارِضَ أيْضًا المَواضِعُ الَّتِي يَحْتاجُ المُسْتَقِي إلى أنْ يَقْرِضَ مِنها الماءَ، أيْ يَمِيحَ، أيْ يُدْخِلَ الدَّلْوَ في البِئْرِ فَيَمْلَأها لِقِلَّةِ الماءِ - لِأنَّها مَواضِعُ قَطْعِ الماءِ بِرَفْعِهِ عَنِ البِئْرِ والمَقارِضُ أيْضًا: الجِرارُ الكِبارُ - كَأنَّها لِكِبَرِها وقَطْعِها كَثِيرًا مِنَ الماءِ هي الَّتِي قَطَعَتْ دُونَ الصِّغارِ، وما عَلَيْهِ قِراضٌ، أيْ ما يَقْرِضُ عَنْهُ العُيُونَ فَيَسْتُرُهُ لِتَعْدِلَ عَنْهُ العُيُونُ - لِعَدَمِ نُفُوذِها إلى جِلْدِهِ، والقَرْضُ في السَّيْرِ هو أنْ تَعْدِلَ عَنِ الشَّيْءِ في مَسِيرِكَ، فَإذا عَدَلْتَ عَنْهُ فَقَدْ قَرَضْتَهُ، والمَصْدَرُ القَرْضُ وأصْلُهُ مِنَ القَطْعِ، وابْنُ مِقْرَضٍ - كَمِنبَرٍ: دُوَيْبَةٌ تَقْتُلُ الحَمامَ - كَأنَّها سُمِّيَتْ لِقَطْعِها حَياةَ الحَمامِ، وقَرَضَ البَعِيرُ جِرَّتَهُ: (p-٢٨)مَضَغَها فَهي قَرِيضٌ - لِتَقْطِيعِها بِالمَضْغِ ولِقَطْعِها مِن بَطْنِهِ بِرَدِّها إلى حَنَكِهِ لِلْمَضْغِ.
ولَمّا بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ حَفِظَهم مِن حَرِّ الشَّمْسِ، بَيَّنَ أنَّهُ أنْعَشَهم بِرَوْحِ الهَواءِ، وألْطَفَهم بِسَعَةِ المَوْضِعِ في فَضاءِ الغارِ فَقالَ: ﴿وهم في فَجْوَةٍ مِنهُ﴾ أيْ في وسَطِ الكَهْفِ ومُتَّسَعِهِ. ولَمّا شَرَحَ هَذا الأمْرَ الغَرِيبَ، والنَّبَأ العَجِيبَ، وصَلَ بِهِ نَتِيجَتَهُ فَقالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ المَذْكُورُ العَظِيمُ مِن هِدايَتِهِمْ، وما دَبَّرُوا لِأنْفُسِهِمْ، وما دُبِّرَ لَهم مِن هَذا الغارِ المُسْتَقْبِلِ لِلنَّسِيمِ الطَّيِّبِ المَصُونِ عَنْ كُلِّ مُؤْذٍ، وما حَقَّقَ بِهِ رَجاءَهم مِمّا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ سِواهُ ﴿مِن آياتِ اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وقُدْرَةً، وإنْ كانَ إذا قِيسَ إلى هَذا القُرْآنِ القَيِّمِ وغَيْرِهِ مِمّا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةُ كانَ يَسِيرًا.
ولَمّا كانَ انْفِرادُهم بِالهُدى عَنْ أهْلِ ذَلِكَ القَرْنِ كُلِّهِمْ عَجَبًا، وصَلَ بِهِ ما إذا تُؤُمِّلَ زالَ عَجَبُهُ فَقالَ تَعالى: ﴿مَن يَهْدِ﴾ ولَوْ أيْسَرَ هِدايَةٍ - بِما دَلَّ عَلَيْهِ حَذْفُ الياءِ في الرَّسْمِ ”اللَّهُ“ أيِ [الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ بِخَلْقِ الهِدايَةِ في قَلْبِهِ لِلنَّظَرِ في آياتِهِ الَّتِي لا تُعَدُّ والِانْتِفاعِ بِها ”فَهُوَ“ (p-٢٩)خاصَّةً ﴿المُهْتَدِ﴾ في أيِّ زَمانٍ كانَ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ مُضِلًّا مُغْوِيًا ﴿ومَن يُضْلِلْ﴾ إضْلالًا ظاهِرِيًّا بِما دَلَّ عَلَيْهِ الإظْهارُ-] بِإعْمائِهِ عَنْ طَرِيقِ الهُدى، فَهو لا غَيْرُهُ الضّالُّ ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ﴾ أصْلًا مِن دُونِهِ، لِأجْلِ أنَّ اللَّهَ الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ ولا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ أضَلَّهُ ﴿ولِيًّا مُرْشِدًا﴾ فَتَجِدُهُ يَرى الآياتِ بِعَيْنِهِ، ويَسْمَعُها بِأُذُنِهِ، ويُحِسُّها بِجَمِيعِ حَواسِّهِ، ولا يَعْلَمُ أنَّها آياتٌ فَضْلًا عَنْ أنْ يَتَدَبَّرَها ويَنْتَفِعَ بِها، فالآيَةُ مِنَ الاحْتِباكِ: ذَكَرَ الِاهْتِداءَ أوَّلًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِ الضَّلالِ ثانِيًا، والمُرْشِدَ ثانِيًا دَلِيلًا عَلى حَذْفِ المُضِلِّ أوَّلًا.
{"ayah":"۞ وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَ ٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡیَمِینِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِی فَجۡوَةࣲ مِّنۡهُۚ ذَ ٰلِكَ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِۗ مَن یَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن یُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِیࣰّا مُّرۡشِدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











