الباحث القرآني

ولَمّا صَغَّرَ أمْرَهم بِالنِّسْبَةِ إلى جَلِيلِ آياتِهِ وعَظِيمِ بَيِّناتِهِ وغَرِيبِ مَصْنُوعاتِهِ، لَخَّصَ قِصَّتَهُمُ الَّتِي عَدُّوها عَجَبًا وتَرَكُوا الِاسْتِبْصارَ عَلى وحْدانِيَّةِ الواحِدِ القَهّارِ بِما هو العَجَبُ العَجِيبُ، والنَّبَأُ الغَرِيبُ، فَقالَ تَعالى: ﴿إذْ أوى﴾ أيْ كانُوا عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ حِينَ أوَوْا، ولَكِنَّهُ أبْرَزَ الضَّمِيرَ لِبَيانِ أنَّهم شُبّانٌ لَيْسُوا بِكَثِيرِي العَدَدِ فَلَيْسَتْ [لَهُمْ] أسْنانٌ اسْتَفادُوا بِها مِنَ التَّجارِبِ والتَّعَلُّمِ ما اهْتَدَوْا إلَيْهِ مِنَ الدِّينِ والدُّنْيا، (p-١٨)ولا كَثْرَةٌ حُفِظُوا بِها مِمَّنْ يُؤْذِيهِمْ أيْقاظًا ورُقُودًا فَقالَ تَعالى: ﴿الفِتْيَةُ﴾ وهو أصْحابُ الكَهْفِ المَسْؤُولُ عَنْهُمْ، والشُّبّانُ أقْبَلُ لِلْحَقِّ وأهْدى لِلسَّبِيلِ مِنَ الشُّيُوخِ ﴿إلى الكَهْفِ﴾ المُقارِبِ لِقَرْيَتِهِمُ المَشْهُورِ بِبَلْدَتِهِمْ فِرارًا بِدِينِهِمْ كَما أوَيْتَ أنْتَ والصِّدِّيقُ إلى غارِ ثَوْرٍ فِرارًا بِدِينِكُما ﴿فَقالُوا﴾ عَقِبَ اسْتِقْرارِهِمْ فِيهِ: ﴿رَبَّنا آتِنا﴾ ولَمّا كانَتِ المَوْجُوداتُ - كَما مَضى عَنِ الحَرالِّيِّ في آلِ عِمْرانَ - عَلى ثَلاثِ رُتَبٍ: حُكْمِيّاتٍ جارِيَةٍ عَلى قَوانِينِ العاداتِ، وعِنْدِيّاتٍ خارِقَةٍ لِلْمُطَّرِداتِ ولَدُنِيّاتٍ مُسْتَغْرِقَةٍ في الأُمُورِ الخارِقاتِ، طَلَبُوا أعْلاها فَقالُوا: ﴿مِن لَدُنْكَ﴾ أيْ مِن مُسْتَبْطَنِ الأُمُورِ الَّتِي عِنْدَكَ ومُسْتَغْرَبِها ﴿رَحْمَةً﴾ أيْ إكْرامًا تُكْرِمُنا بِهِ كَما يَفْعَلُ الرّاحِمُ بِالمَرْحُومِ ﴿وهَيِّئْ لَنا﴾ أيْ جَمِيعًا لا تُخَيِّبْ مِنّا أحَدًا ﴿مِن أمْرِنا رَشَدًا﴾ أيْ وجْهًا تُرْشِدُنا فِيهِ إلى الخَلاصِ في الدّارَيْنِ، لا جَرَمَ صارَتْ قِصَّتُهم عَلى حَسَبِ ما أجابَهم رَبُّهم بَدِيعَةَ الشَّأْنِ فَرِدَةً في الزَّمانِ، يُتَحَدَّثُ بِها في سائِرِ البُلْدانِ، في كُلِّ حِينٍ وأوانٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب