الباحث القرآني

ثُمَّ حَثَّ بَعْدَها عَلى التَّهَجُّدِ؛ لِأفْضَلِيَّتِهِ؛ وأشَدِّيَّتِهِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ومِنَ﴾؛ أيْ: وعَلَيْكَ بَعْضُ؛ أوْ قُمْ بَعْضَ ﴿اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ﴾؛ أيْ: اتْرُكِ الهُجُودَ - وهو النَّوْمُ - بِالصَّلاةِ؛ ﴿بِهِ﴾؛ أيْ: بِمُطْلَقِ القُرْآنِ؛ فَهو مِنَ الِاسْتِخْدامِ الحَسَنِ؛ ﴿نافِلَةً لَكَ﴾؛ أيْ: زِيادَةً مُخْتَصَّةً بِكَ؛ قالَ عَبْدُ الغافِرِ الفارِسِيُّ؛ في مَجْمَعِ الغَرائِبِ: وأصْلُ ”النَّفْلُ“: الزِّيادَةُ؛ ومِنهُ ”الأنْفالُ“؛ الزّائِدَةُ عَلى الغَنائِمِ؛ الَّتِي أحَلَّها اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ؛ وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ: ”النَّوافِلُ“: الفَواضِلُ؛ ومِن هَذا يَقُولُونَ: ”فُلانٌ مِمَّنْ تُرْجى نَوافِلُهُ“؛ انْتَهى؛ فَهو زِيادَةٌ لِلنَّبِيِّ (p-٤٩٤)- صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - في الفَرْضِ؛ ولِلْأُمَّةِ في التَّطَوُّعِ؛ وخُصَّ بِهِ تَرْغِيبًا لِلْأُمَّةِ؛ لِأنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّهُ لا يُخَصُّ إلّا بِخَيْرِ الخَيْرِ؛ لِأنَّهُ الوَقْتُ الَّذِي كُنِّيَ فِيهِ عَنِ اسْتِجابَةِ الدُّعاءِ بِالنُّزُولِ إلى السَّماءِ الدُّنْيا؛ اللّازِمِ مِنهُ القُرْبُ؛ الوارِدِ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ أنَّهُ يَكُونُ في جَوْفِ اللَّيْلِ؛ لِأنَّ مِن عادَةِ المُلُوكِ في الدُّنْيا أنْ يَجْعَلُوا فَتْحَ البابِ؛ والقُرْبَ مِنهُ؛ ورَفْعَ السِّتْرِ؛ والنُّزُولَ عَنْ مَحَلِّ الكِبْرِياءِ؛ أمارَةً عَلى قَضاءِ الحَوائِجِ؛ وكُلُّ ما يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ (تَعالى)؛ مِمّا يُنَزَّهُ - سُبْحانَهُ - عَنْ ظاهِرِهِ؛ يَكُونُ كِنايَةً عَنْ لازِمِهِ؛ وبَيَّنَ ذَلِكَ حَدِيثٌ رَوَيْناهُ في جُزْءِ العَبْسِيِّ «عَنْ عُثْمانَ بْنِ أبِي العاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: ”إنَّ في اللَّيْلِ ساعَةً يُفْتَحُ فِيها أبْوابُ السَّماءِ؛ فَيُنادِي مُنادٍ: هَلْ مِن داعٍ فَيُسْتَجابُ لَهُ؟..“؛» إلى آخِرِهِ؛ فَهَذا شاهِدٌ عَظِيمٌ لِهَذا التَّأْوِيلِ. ولَمّا أمَرَهُ - سُبْحانَهُ - بِالتَّهَجُّدِ؛ والتَّذَلُّلِ؛ وكانَ السِّياقُ لِلْعَظَمَةِ؛ رَجاءً في النَّوالِ؛ بِما يَلِيقُ بِالسِّياقِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿عَسى أنْ﴾؛ أيْ: لِتَكُونَ بِمَنزِلَةِ الرّاجِي لِأنْ ﴿يَبْعَثَكَ﴾؛ ولَمّا كانَ السِّياقُ قَدِ انْصَرَفَ لِلتَّرْجِيَةِ؛ عَبَّرَ بِصِفَةِ الإحْسانِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿رَبُّكَ﴾؛ أيْ: المُحْسِنُ إلَيْكَ؛ بَعْدَ المَوْتِ الأكْبَرِ؛ وقَبْلَهُ؛ كَما بَعَثَ نَفْسَكَ مِنَ المَوْتِ الأصْغَرِ؛ إلى خِدْمَتِهِ؛ ﴿مَقامًا﴾؛ نُصِبَ عَلى الظَّرْفِ؛ ﴿مَحْمُودًا﴾؛ وذَلِكَ لِأنَّ ”عَسى“؛ لِلتَّرَجِّي (p-٤٩٥)فِي المَحْبُوبِ؛ والإشْفاقِ في المَكْرُوهِ؛ وقَدْ يَضْعُفُ ذَلِكَ؛ فَيَلْزَمُ الشَّكُّ في الأمْرِ؛ وقَدْ يَقْوى فَيَأْتِي اليَقِينُ؛ وهي هُنا لِلْيَقِينِ؛ قالُوا: إنَّ ”عَسى“؛ تُفِيدُ الإطْماعَ؛ ومَن أطْمَعُ أحَدًا في شَيْءٍ ثُمَّ حَرَمَهُ؛ كانَ عارًا؛ واللَّهُ (تَعالى) أكْرَمُ مِن أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ وعَبَّرَ بِها دُونَ ما يُفِيدُ القَطْعَ لِأنَّ ذَلِكَ أقْعَدُ في كَلامِ المُلُوكِ؛ لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى العَظَمَةِ؛ ولِلْبُخارِيِّ؛ في التَّفْسِيرِ؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - قالَ: إنَّ النّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ القِيامَةِ جُثًى؛ كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّها؛ يَقُولُونَ: يا فُلانُ اشْفَعْ؛ يا فُلانُ اشْفَعْ؛ حَتّى تَنْتَهِيَ الشَّفاعَةُ إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -؛ فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ المَقامَ المَحْمُودَ. ؛ أيْ: فَيَظْهَرُ ما لَهُ مِنَ الحَظِّ مِنَ اسْمِهِ ”أحْمَدُ“؛ و”مُحَمَّدٌ“؛ في ذَلِكَ الحِينِ؛ بِحَمْدِ كُلِّ ذِي رُوحٍ؛ بِإيصالِ الإحْسانِ إلى كُلٍّ مِنهم بِالفِعْلِ؛ ولَهُ؛ في التَّفْسِيرِ وغَيْرِهِ؛ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «”مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التّامَّةِ؛ والصَّلاةِ القائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ؛ والفَضِيلَةَ؛ وابْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الَّذِي وعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ“؛» يَعْنِي - واللَّهُ أعْلَمُ - الشَّفاعَةَ الخاصَّةَ؛ وأمّا العامَّةُ فَلِلْكُلِّ؛ بِغَيْرِ شَرْطٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب