الباحث القرآني

ولَمّا قَرَّرَ أمْرَ أُصُولِ الدِّينِ بِالوَحْدانِيَّةِ؛ والقُدْرَةِ عَلى المَعادِ؛ وقَرَّرَ أمْرَهم أحْسَنَ تَقْرِيرٍ؛ واسْتَعْطَفَهم بِنِعَمِهِ؛ وخَوَّفَهم مِن نِقَمِهِ؛ وقَرَّرَ أنَّهُ - سُبْحانَهُ – عَصَمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مِن فِتْنَتِهِمْ بِالسَّرّاءِ؛ والضَّرّاءِ؛ بِما أنارَ بِهِ مِن بَصِيرَتِهِ؛ وأحْسَنَ مِن عَلانِيَتِهِ؛ وسَرِيرَتِهِ؛ صارَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ قَدْ تَفَرَّغَ لِلْعِبادَةِ؛ وتَهَيَّأ لِلْمُراقَبَةِ؛ فَبَدَأ بِأشْرَفِها؛ فَوَصَلَ بِذَلِكَ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿أقِمِ﴾؛ أيْ: حَقِيقَةً بِالفِعْلِ؛ ومَجازًا بِالعَزْمِ عَلَيْهِ؛ ﴿الصَّلاةَ﴾؛ بِفِعْلِ جَمِيعِ شَرائِطِها؛ وأرْكانِها؛ ومَبادِئِها؛ وغاياتِها؛ بِحَيْثُ تَصِيرُ كَأنَّها قائِمَةٌ بِنَفْسِها؛ فَإنَّها لُبُّ العِبادَةِ؛ بِما فِيها مِن خالِصِ المُناجاةِ؛ بِالإعْراضِ عَنْ كُلِّ غَيْرٍ؛ وفَناءِ كُلِّ ”سِوى“؛ بِما أشْرَقَ مِن أنْوارِ الحَضْرَةِ الَّتِي اضْمَحَلَّ لَها كُلُّ فانٍ؛ وفي ذَلِكَ إشارَةٌ عَظِيمَةٌ إلى أنَّ الصَّلاةَ أعْظَمُ ناصِرٍ عَلى الأعْداءِ؛ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بِمَكْرِهِمُ اسْتِفْزازَ الأوْلِياءِ؛ وأدْفَعُ الأشْياءِ لِلضَّرّاءِ؛ وأجْلَبُها لِكُلِّ سَرّاءَ؛ ولِذَلِكَ «كانَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - إذا حَزَبَهُ أمْرٌ فَزِعَ إلى الصَّلاةِ؛» كَما تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ في آخِرِ ”الحِجْرِ“؛ ثُمَّ عَيَّنَ لَهُ الأوْقاتَ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): (p-٤٩٢)﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾؛ أيْ: زَوالِها؛ واصْفِرارِها؛ وغُرُوبِها؛ قالَ في القامُوسِ: ”دَلَكَتِ الشَّمْسُ“: غَرَبَتْ؛ أوِ اصْفَرَّتْ؛ أوْ مالَتْ؛ أوْ زالَتْ عَنْ كَبِدِ السَّماءِ؛ فَحِينَئِذٍ في هَذِهِ اللَّفْظَةِ دَلالَةٌ عَلى الظُّهْرِ؛ والعَصْرِ؛ والمَغْرِبِ؛ مِنَ اسْتِعْمالِ المُشْتَرَكِ في مَعانِيهِ؛ أمّا في الظُّهْرِ؛ والمَغْرِبِ؛ فَواضِحٌ؛ وأمّا في العَصْرِ؛ فَلِأنَّ أوَّلَ وقْتِها أوَّلُ أخْذِ الشَّمْسِ في الِاصْفِرارِ؛ وأدَلُّ دَلِيلٍ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ غَيّا الإقامَةَ بِوَقْتِ العِشاءِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿إلى﴾؛ حَثًّا عَلى نِيَّةِ أنْ يُصَلِّيَ كُلَّما جاءَ الوَقْتُ؛ لِيَكُونَ مُصَلِّيًا دائِمًا؛ لِأنَّ الإنْسانَ في صَلاةٍ ما كانَ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ؛ فَهو بَيانٌ لِأنَّ وقْتَ المَغْرِبِ مِنَ الدُّلُوكِ؛ الَّذِي هو الغُرُوبُ؛ إلى أنْ يَذْهَبَ الشَّفَقُ؛ ﴿غَسَقِ اللَّيْلِ﴾؛ فالغَسَقُ: ظُلْمَةُ أوَّلِ اللَّيْلِ؛ وهو وقْتُ النَّوْمِ؛ وقالَ الرّازِيُّ؛ في اللَّوامِعِ: وهو اسْتِحْكامُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ؛ وقالَ الرُّمّانِيُّ: ظُهُورُ ظَلامِهِ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ؛ بِتَغْيِيرِ السِّياقِ؛ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿وقُرْآنَ﴾؛ فَكَأنَّهُ قالَ: ثُمَّ نَمْ؛ وأقِمْ قُرْآنَ ﴿الفَجْرِ﴾؛ إشارَةً إلى الصُّبْحِ؛ وقِيلَ: نَصَبَ عَلى الإغْراءِ؛ وكَأنَّهُ عَبَّرَ عَنْها بِالقُرْآنِ؛ لِأنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ أعْظَمَ أرْكانِ الصَّلاةِ؛ يُطَوِّلُ فِيها القِراءَةَ ما لا يُطَوِّلُ في غَيْرِها؛ ويَجْهَرُ بِهِ فِيها دُونَ أُخْتِها؛ العَصْرِ؛ وتَشْوِيقًا بِالتَّعْبِيرِ بِهِ إلَيْها؛ لِثِقَلِها بِالنَّوْمِ. ولَمّا كانَ القِيامُ مِنَ المَنامِ صَعْبًا؛ عَلَّلَ مُرَغِّبًا؛ مُظْهِرًا؛ غَيْرَ مُضْمِرٍ؛ (p-٤٩٣)لِأنَّ المَقامَ مَقامُ تَعْظِيمٍ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا﴾؛ يَشْهَدُهُ فَرِيقا المَلائِكَةِ؛ وهو أهْلٌ لِأنْ يَشْهَدَهُ كُلُّ أحَدٍ؛ لِما لَهُ مِنَ اللَّذَّةِ في السَّمْعِ؛ والإطْرابِ لِلْقَلْبِ؛ والإنْعاشِ لِلرُّوحِ؛ فَصارَتِ الآيَةُ جامِعَةً لِلصَّلَواتِ؛ رَوى البُخارِيُّ؛ في التَّفْسِيرِ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: فَضْلُ صَلاةِ الجَمِيعِ عَلى صَلاةِ الواحِدِ خَمْسٌ وعِشْرُونَ دَرَجَةً؛ وتَجْتَمِعُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ؛ ومَلائِكَةُ النَّهارِ في صَلاةِ الفَجْرِ؛ يَقُولُ أبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ﴾؛ الآيَةَ؛ قالُوا: وهَذا دَلِيلٌ عَلى وُجُوبِ الصَّلاةِ بِأوَّلِ الوَقْتِ؛ وأنَّ التَّغْلِيسَ بِصَلاةِ الفَجْرِ أفْضَلُ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب