الباحث القرآني

﴿ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلْنا﴾؛ أيْ: في السَّفِينَةِ؛ بِعَظَمَتِنا؛ عَلى ظَهْرِ ذَلِكَ الماءِ؛ الَّذِي طَبَقَ ما تَحْتَ أدِيمِ السَّماءِ؛ ونَبَّهَ عَلى شَرَفِهِمْ؛ وتَمامِ نِعْمَتِهِمْ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿مَعَ نُوحٍ﴾؛ أيْ: مِن أوْلادِهِ؛ وأوْلادِهِمُ؛ الَّذِينَ أشْرَفُهم إبْراهِيمُ؛ الَّذِي كانَ شاكِرًا؛ ثُمَّ إسْرائِيلُ - عَلَيْهِما السَّلامُ -؛ لِأنَّ الصَّحِيحَ أنَّ مَن كانَ مَعَهُ مِن غَيْرِهِمْ ماتُوا؛ ولَمْ يُعْقِبُوا؛ ولَمْ يَقُلْ: ”ذُرِّيَّةَ نُوحٍ“؛ لِيُعْلَمَ أنَّهم عَقِبُ أوْلادِهِ المُؤْمِنِينَ؛ لِتَكُونَ تِلْكَ مِنَّةً أُخْرى؛ ثُمَّ نَبَّهَ عَلى تَقْواهُ؛ وإحْسانِهِ؛ حَثًّا عَلى الِاقْتِداءِ بِهِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ كانَ﴾؛ أيْ: كَوْنًا جِبِلِّيًّا؛ ﴿عَبْدًا شَكُورًا﴾؛ أيْ: مُبالِغًا في الشُّكْرِ؛ الَّذِي هو صَرْفُ جَمِيعِ ما أنْعَمَ اللَّهُ بِهِ؛ فِيما خَلَقَهُ لَهُ؛ فَأحْسَنَ إلَيْهِ؛ لِشُكْرِهِ بِأنْ (p-٣٠٣)جَعَلَ في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ؛ والكِتابَ؛ كَما فَعَلَ بِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ لِأنَّهُ كانَ شاكِرًا؛ فاقْتَدُوا بِهَذَيْنِ الأبَوَيْنِ العَظِيمَيْنِ في الشُّكْرِ؛ يَزِدْكُمْ؛ ولا تُقَلِّدُوا غَيْرَهُما في الكُفْرِ؛ يُعَذِّبُكُمْ؛ وخَصَّ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِأنَّهُ ما أمْلى لِأحَدٍ ما أمْلى لِقَوْمِهِ ولا أمْهَلَ أحَدًا ما أمْهَلَهُمْ؛ ثُمَّ أهْلَكَهم أجْمَعِينَ - كَما أوْمَأ إلَيْهِ قَوْلُهُ: ”حَمَلْنا“ -؛ إهْلاكَ نَفْسٍ واحِدَةٍ؛ ثُمَّ أذْهَبَ الماءَ بَعْدَ إغْراقِهِمْ بِالتَّدْرِيجِ؛ في مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ؛ فَثَبَتَ أنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ العَجَلَةِ؛ وأنَّهُ - سُبْحانَهُ - تارَةً يَفْعَلُ الأُمُورَ الكَثِيرَةَ الشّاقَّةَ في أسْرَعِ وقْتٍ؛ وتارَةً يَعْمَلُ ما هو دُونَها في أزْمانٍ طِوالٍ؛ فَبانَ كالشَّمْسِ أنَّهُ إنَّما يَفْعَلُ عَلى حَسَبِ ما يُرِيدُ؛ مِمّا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ؛ رَوى البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - بِلَحْمٍ؛ فَرَفَعَ إلَيْهِ الذِّراعَ؛ وكانَتْ تُعْجِبُهُ؛ فَنَهَشَ مِنها نَهْشَةً؛ ثُمَّ قالَ: ”أنا سَيِّدُ النّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ؛ وهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النّاسَ؛ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ؛ في صَعِيدٍ واحِدٍ؛ يُسْمِعُهُمُ الدّاعِي؛ ويَنْفُذُهُمُ (p-٣٠٤)البَصَرُ؛ وتَدْنُو الشَّمْسُ؛ فَبَلَغَ النّاسَ مِنَ الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطِيقُونَ؛ ولا يَحْتَمِلُونَ؛ فَيَقُولُ النّاسُ: ألا تَرَوْنَ ما قَدْ بَلَغَكُمْ؟ ألا تَنْظُرُونَ مَن يَشْفَعُ لَكم إلى رَبِّكُمْ؟“؛» فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفاعَةِ العُظْمى؛ وإتْيانِهِمُ الأنْبِياءَ؛ آدَمَ؛ وبَعْدَهُ أُولِي العَزْمِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ وأنَّهم «يَقُولُونَ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: وقَدْ سَمّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا؛ وكُلُّهم يَتَبَرَّأُ؛ ويُحِيلُ عَلى مَن بَعْدَهُ؛ إلى أنْ وصَلَ الأمْرُ نَبِيَّنا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ: يا مُحَمَّدُ أنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؛ وخاتَمُ الأنْبِياءِ؛ وقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ؛ وما تَأخَّرَ؛ اشْفَعْ لَنا إلى رَبِّنا؛ ألا تَرى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ ”فَأنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ فَأقَعُ ساجِدًا لِرَبِّي؛ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِن مَحامِدِهِ؛ وحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْهِ؛ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلى أحَدٍ قَبْلِي؛ ثُمَّ يُقالُ: (يا مُحَمَّدُ؛ ارْفَعْ رَأْسَكَ؛ سَلْ تُعْطَ؛ واشْفَعْ تُشَفَّعْ)؛ فَأرْفَعُ رَأْسِي؛ فَأقُولُ: أُمَّتِي يا رَبِّ؛ أُمَّتِي يا رَبِّ؛ فَيُقالُ: (يا مُحَمَّدُ؛ أدْخِلْ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البابِ الأيْمَنِ مِن أبْوابِ الجَنَّةِ؛ وهم شُرَكاءُ النّاسِ فِيما سِوى ذَلِكَ مِنَ الأبْوابِ)“؛ ثُمَّ قالَ: ”والَّذِي (p-٣٠٥)نَفْسِي بِيَدِهِ؛ إنَّ ما بَيْنَ المِصْراعَيْنِ مِن مَصارِيعِ الجَنَّةِ كَما بَيْنَ مَكَّةَ؛ وحِمْيَرَ؛ أوْ كَما بَيْنَ مَكَّةَ؛ وبِصْرى“».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب