الباحث القرآني
ولَمّا ثَبَتَ بِهَذِهِ الخارِقَةِ ما أخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ المُقَدَّسَةِ؛ مِن عَظِيمِ القُدْرَةِ عَلى كُلِّ ما يُرِيدُ؛ وما حَباهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - بِهِ مِنَ الآياتِ البَيِّناتِ؛ في هَذا الوَقْتِ اليَسِيرِ؛ أتْبَعَهُ ما مُنِحَ في المَسِيرِ مِن مِصْرَ إلى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ مِنَ الآياتِ؛ في مُدَدٍ طِوالٍ جِدًّا؛ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - الَّذِي كانَ أعْظَمَ الأنْبِياءِ بَرَكَةً عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ لَيْلَةَ الإسْراءِ؛ (p-٢٩٩)لِما أرْشَدَ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - إلَيْهِ مِن مُراجَعَةِ اللَّهِ (تَعالى) في تَخْفِيفِ الصَّلاةِ؛ حَتّى رَجَعَتْ مِن خَمْسِينَ إلى خَمْسٍ؛ مَعَ أجْرِ خَمْسِينَ؛ والَّذِي كانَ أنْهى العُرُوجَ بِهِ؛ إذْ ناجاهُ اللَّهُ وقَرَّبَهُ رَأْسَ جَبَلِ الطُّورِ؛ بَعْدَ الأمْرِ بِالرِّياضَةِ بِالصَّوْمِ؛ والتَّخَلِّي أرْبَعِينَ يَوْمًا؛ والَّذِي تَقَدَّمَ في آخِرِ ”النَّحْلِ“؛ أنَّ قَوْمَهُ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ في السَّبْتِ؛ تَنْفِيرًا مِن مِثْلِ حالِهِمْ؛ وتَسْلِيَةً عَمَّنْ تَبِعَهم في تَكْذِيبِهِمْ؛ وضَلالِهِمْ؛ وذَلِكَ في سِياقٍ مُحَذِّرٍ لِلْمُكَذِّبِينَ عَظائِمَ البَلاءِ؛ فَقالَ (تَعالى) - عاطِفًا عَلى ما تَقْدِيرُهُ؛ ”فَآتَيْنا عَبْدَنا مُحَمَّدًا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - الكِتابَ المُفَصَّلَ المُعْجِزَ؛ وجَعَلْناهُ هُدًى لِلْخَلْقِ كافَّةً؛ وتَوَلَّيْنا حِفْظَهُ؛ فَكانَ آيَةً باقِيَةً؛ حافِظًا لِدِينِهِ دائِمًا“ -: ﴿وآتَيْنا﴾؛ أيْ: بِعَظَمَتِنا؛ ﴿مُوسى الكِتابَ﴾؛ أيْ: الجامِعَ لِخَيْرَيِ الدّارَيْنِ؛ لِتَقْواهُ؛ وإحْسانِهِ؛ مُعَظِّمًا لَهُ بِنُونِ العَظَمَةِ؛ فَساوى بَيْنَ النَّبِيَّيْنِ في تَعْظِيمِ الإراءَةِ؛ والإيتاءِ؛ وخَصَّ مُحَمَّدًا - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - بِإضافَةِ آياتِهِ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ؛ وكانَ إيتاءُمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - الكِتابَ في نَيِّفٍ وأرْبَعِينَ سَنَةً؛ بَعْدَ أنْ أخْرَجَ مَعَهُ بَنِي إسْرائِيلَ مِن حَبائِلِ فِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ؛ الَّذِينَ كانُوا لا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً؛ بِتِلْكَ الآياتِ الهائِلَةِ؛ الَّتِي لا يَشُكُّ عاقِلٌ أنَّ مَن قَدَرَ عَلَيْها لا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أرادَهُ؛ وفي هَذِهِ المُدَّةِ الطَّوِيلَةِ - (p-٣٠٠)بَلْ بِزِيادَةٍ - كانَ وُصُولُ بَنِي إسْرائِيلَ مِن مِصْرَ إلى هَذا المَسْجِدِ الَّذِي أوْصَلْنا عَبْدَنا إلَيْهِ؛ ورَدَدْناهُ إلَيْكُمْ؛ في بَعْضِ لَيْلَةٍ؛ راكِبًا البُراقَ الَّذِي كانَ يَرْكَبُهُ الأنْبِياءُ قَبْلَهُ؛ يَضَعُ حافِرَهُ في مُنْتَهى طَرْفِهِ؛ وبَنُو إسْرائِيلَ كانُوا يَسِيرُونَ جَمِيعَ النَّهارِ مُجْتَهِدِينَ؛ ثُمَّ يَبِيتُونَ في المَوْضِعِ الَّذِي أدْلَجُوا مِنهُ في التِّيهِ؛ لا يَقْدِرُونَ أنْ يَجُوزُوهُ أرْبَعِينَ سَنَةً - عَلى ما قالَ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ -؛ أوْ أنَّهم كانُوا في هَذِهِ المُدَّةِ يَدُورُونَ حَوْلَ جَبَلِ أدُومَ؛ كَما في التَّوْراةِ؛ فَثَبَتَ أنّا إنَّما نَفْعَلُ بِالِاخْتِيارِ؛ عَلى حَسَبِ ما نَراهُ مِنَ الحِكَمِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ ثَمَرَةَ كِتابِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقالَ (تَعالى): ﴿وجَعَلْناهُ﴾؛ أيْ: الكِتابَ؛ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿هُدًى﴾؛ ولَمّا كانَ هَذا التَّنْوِينُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لِلتَّعْظِيمِ يَسْتَغْرِقُ الهُدى؛ بَيَّنَ الحالَ بِقَوْلِهِ: ﴿لِبَنِي إسْرائِيلَ﴾؛ بِالحَمْلِ عَلى العَدْلِ في التَّوْحِيدِ؛ والأحْكامِ؛ وأسْرَيْنا بِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وبِقَوْمِهِ مِن مِصْرَ إلى بِلادِ المَسْجِدِ الأقْصى؛ فَأقامُوا سائِرِينَ إلَيْها أرْبَعِينَ سَنَةً؛ ولَمْ يَصِلُوا؛ وماتَ كُلُّ مَن خَرَجَ مِنهم مِن مِصْرَ؛ إلّا النَّقِيبَيْنِ المُوَفِّيَيْنِ بِالعَهْدِ؛ فَقَدْ بانَ الفَصْلُ (p-٣٠١)بَيْنَ الإسْراءَيْنِ؛ كَما بانَ الفَصْلُ بَيْنَ الكِتابَيْنِ؛ فَذِكْرُ الإسْراءِ أوَّلًا دَلِيلٌ عَلى حَذْفِ مِثْلِهِ لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ثانِيًا؛ وذِكْرُ إيتاءِ الكِتابِ ثانِيًا دَلِيلٌ عَلى حَذْفِ مِثْلِهِ أوَّلًا؛ فالآيَةُ مِنَ الاحْتِباكِ؛ ثُمَّ نَبَّهَ عَلى أنَّ المُرادَ مِن ذَلِكَ كُلِّهِ التَّوْحِيدُ؛ اعْتِقادًا؛ وعِبادَةً؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ألا﴾؛ أيْ: لِئَلّا؛ ﴿تَتَّخِذُوا﴾؛ بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ في قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو؛ وبِالفَوْقانِيَّةِ في قِراءَةِ الباقِينَ؛ فَنَبَّهَ بِصِيغَةِ الِافْتِعالِ عَلى أنَّهُ - لِكَثْرَةِ ما عَلى وحْدانِيَّتِهِ مِنَ الدَّلائِلِ؛ ولَهُ إلى خَلْقِهِ مِنَ المَزايا والفَضائِلِ - لا يُعْدَلُ عَنْهُ إلى غَيْرِهِ إلّا بِتَكَلُّفٍ عَظِيمٍ مِنَ النَّفْسِ؛ ومُنازَعَةٍ بَيْنَ الهَوى والعَقْلِ؛ وما فَطَرَ - سُبْحانَهُ - عَلَيْهِ النُّفُوسَ مِنَ الِانْقِيادِ إلَيْهِ؛ والإقْبالِ عَلَيْهِ؛ ونَفَّرَ مَن لَهُ هِمَّةٌ عَلِيَّةٌ؛ ونَفْسٌ أبِيَّةٌ؛ مِنَ الشِّرْكِ؛ بِقَوْلِهِ - مُنَبِّهًا بِالجارِّ عَلى تَكاثُرِ الرُّتَبِ دُونَ رُتْبَةِ عَظَمَتِهِ - سُبْحانَهُ - وعَدَمِ الِاسْتِغْراقِ لَها؛ تارِكًا نُونَ العَظَمَةِ لِلتَّنْصِيصِ عَلى المُرادِ؛ مِن دُونِ لَبْسٍ بِوَجْهٍ -: ﴿مِن دُونِي﴾؛ وقالَ (تَعالى): ﴿وكِيلا﴾؛ أيْ: رَبًّا؛ يَكِلُونَ أُمُورَهم إلَيْهِ؛ ويَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ؛ مِن صَنَمٍ؛ ولا غَيْرِهِ؛ لِتَقْرِيبِ إلَيْهِ؛ بِشَفاعَةٍ؛ ولا غَيْرِها؛ مُنَبِّهًا بِذِكْرِ الوَكالَةِ عَلى سَفَهِ آرائِهِمْ في (p-٣٠٢)تَرْكِ مَن يَكْفِي في كُلِّ شَيْءٍ؛ إلى مَن لا كِفايَةَ عِنْدَهُ لِشَيْءٍ؛ ثُمَّ أتْبَعَهُ ما يَدُلُّ عَلى شَرَفِهِمْ بِشَرَفِ أبِيهِمْ؛ وأنَّهُ لَمْ يَنْفَعْهم إدْلاؤُهم إلَيْهِ - عِنْدَ إرادَةِ الِانْتِقامِ - بِما ارْتَكَبُوا مِنَ الإجْرامِ؛ فَقالَ - مُنَبِّهًا عَلى الِاهْتِمامِ بِالتَّوْحِيدِ؛ والأمْرِ بِالإخْلاصِ؛ بِالعَوْدِ إلى مَظْهَرِ العَظَمَةِ؛ حَيْثُ لا لَبْسَ؛ ناصِبًا عَلى الِاخْتِصاصِ؛ في قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو؛ وعَلى النِّداءِ عِنْدَ الباقِينَ؛ تَذْكِيرًا بِنِعْمَةِ الإنْجاءِ مِنَ الغَرَقِ -:
{"ayah":"وَءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلۡنَـٰهُ هُدࣰى لِّبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا۟ مِن دُونِی وَكِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق