الباحث القرآني

فَلَمّا طالَتِ الدَّلائِلُ؛ وزالَتِ الشُّبَهُ؛ وعُلِمَ أنَّ الحَظَّ لِمَن أقْبَلَ؛ والخَيْبَةَ لِمَن أدْبَرَ؛ أمَرَهُ أنْ يَقُولَ - مُنَبِّهًا لَهم عَلى ذَلِكَ؛ (p-٥٣٣)مُبَكِّتًا لَهم بِتَقاعُسِهِمْ عَنْهُ؛ وعِنادِهِمْ فِيهِ -؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ﴾؛ أيْ: القُرْآنِ؛ ﴿أوْ لا تُؤْمِنُوا﴾؛ فالإيمانُ بِهِ غَيْرُ مُحْتاجٍ إلَيْكُمْ؛ ولا مَوْقُوفٍ عَلَيْكُمْ؛ لِأنَّكم إنْ آمَنتُمْ بِهِ كانَ الحَظُّ لَكُمْ؛ وإلّا لَمْ تَضُرُّوا إلّا أنْفُسَكُمْ؛ وهو احْتِقارٌ لَهُمْ؛ حَيْثُ صَرَّفَ لَهم مِن كُلِّ مَثَلٍ؛ فَأبَوْا إلّا كُفُورًا؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِما يُقْبِلُ بِكُلِّ ذِي لُبٍّ إلَيْهِ؛ فَإنْ كانَ لِـ ”قُلْ“؛ فَهو تَسْلِيَةٌ لَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -؛ وإنْ كانَ لِما بَعْدَها فَهو تَبْكِيتٌ لَهُمْ؛ وتَحْقِيرٌ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ﴾؛ وبَنى لِلْمَفْعُولِ؛ دَلالَةً عَلى أنَّ العِلْمَ الرَّبّانِيَّ - وهو العِلْمُ في الحَقِيقَةِ؛ مِن أيِّ مُؤْتٍ كانَ - حاثٌّ عَلى الإيمانِ بِهَذا القُرْآنِ؛ وتَنْبِيهًا عَلى أنَّ مَن كانَ يَعْلَمُ؛ ولا يَحْمِلُهُ عِلْمُهُ عَلى الإيمانِ بِهَذا الكِتابِ الَّذِي لا شَيْءَ أبْيَنُ مِن حَقِيقَتِهِ؛ بِمُصادَقَتِهِ لِكُتُبِ الأنْبِياءِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ رِسالاتُهُمْ؛ ومَضَتْ عَلَيْها الدُّهُورُ؛ واطْمَأنَّتْ بِها النُّفُوسُ؛ وزِيادَتِهِ عَلَيْها بِما أوْدَعَهُ اللَّهُ مِنَ الإعْجازِ والحِكَمِ؛ فَعِلْمُهُ كَـ ”لا عِلْمَ“؛ بَلْ هو أجْهَلُ الجَهَلَةِ؛ سَواءٌ كانَ مِمَّنْ سَألْتُمُوهُ عَنِّي؛ أوْ مِن غَيْرِهِمْ - كَما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ (تَعالى) تَحْقِيقَهُ في ”الزُّمَرِ“. ولَمّا كانَ المُرادُ أنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذا الوَصْفِ؛ ولَوْ زَمَنًا يَسِيرًا نَفَعَهُ؛ أدْخَلَ الجارَّ؛ فَقالَ - مُرَغِّبًا في العِلْمِ لِيَحْمِلَ عَلى الإيمانِ بِالقُرْآنِ -: ﴿مِن قَبْلِهِ﴾؛ أيْ: قَبْلَ إنْزالِهِ مِمَّنْ آمَنَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ؛ (p-٥٣٤)الَّذِينَ أمَرَنِي اللَّهُ بِسُؤالِهِمْ؛ تَسْمِيعًا لَكُمْ؛ وتَثْبِيتًا لِكَوْنِكم أقْبَلْتُمْ عَلَيْهِمْ بِالسُّؤالِ؛ وجَعَلْتُمُوهم مَحَطَّ الوُثُوقِ؛ ﴿إذا يُتْلى﴾؛ أيْ: مِن أيِّ تالٍ كانَ؛ ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ؛ يَنْقُلُهم مِن حالٍ إلى حالٍ؛ فَيُرَقِّيهِمْ في مَدارِجِ القُرْبِ؛ ومَعارِجِ الكَمالِ؛ إلى أعْلى الرُّتَبِ؛ بِأنَّهم ﴿يَخِرُّونَ﴾؛ أيْ: يَسْقُطُونَ بِسُرْعَةٍ؛ وأكَّدَ السُّرْعَةَ؛ وأفادَ الِاخْتِصاصَ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لِلأذْقانِ﴾؛ بِاللّامِ؛ دُونَ ”إلى“؛ أوْ ”عَلى“؛ دالًّا بِالأذْقانِ عَلى أنَّهم مِن شِدَّةِ ما يَحْصُلُ لَهم مِنَ الخُشُوعِ يَسْقُطُونَ سُقُوطَ مَن لَيْسَ لَهُ اخْتِيارٌ؛ وأوَّلُ ما يُلاقِي الأرْضَ مِمَّنْ يَسْقُطُ كَذَلِكَ ذَقَنُهُ؛ وهو مُجْتَمَعُ اللِّحْيَيْنِ؛ مِن مَنبَتِ لِحْيَتِهِ؛ فَإنَّ الإنْسانَ مَجْبُولٌ بِالطَّبْعِ عَلى صِيانَةِ وجْهِهِ؛ فَهو يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَتَصِيرُ ذَقَنُهُ وفَمُهُ أقْرَبَ ما في وجْهِهِ إلى الأرْضِ حالَ السُّقُوطِ؛ ولِهَذا قالَ شاعِرُهُمْ: ؎................... ∗∗∗ فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ ولِلْفَمِ. ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سُقُوطًا اضْطِرارِيًّا مِن كُلِّ جِهَةٍ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿سُجَّدًا﴾؛ أيْ: يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِما يَعْلَمُونَ مِن حَقِّيَتِهِ؛ بِما أُوتُوا مِنَ العِلْمِ السّالِفِ؛ وما في قُلُوبِهِمْ مِنَ الإذْعانِ؛ والخَشْيَةِ لِلرَّحْمَنِ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب