الباحث القرآني
ولَمّا قَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ أنَّهُ هو المُعْطِي؛ وأنَّ عَطاءَهُ الجَمَّ - الَّذِي فاتَ الحَصْرَ؛ وفَضَلَ عَنِ الحاجَةِ؛ وقامَتْ بِهِ الحُجَّةُ عَلى العِبادِ في تَمامِ قُدْرَتِهِ؛ وكَمالِ عِلْمِهِ - غَيْرُ مَحْظُورٍ عَنْ أحَدٍ؛ وأنَّهم يَقْتُلُونَ أوْلادَهُمْ؛ مَعَ ذَلِكَ؛ خَشْيَةَ الإمْلاقِ؛ وهم يَطْلُبُونَ أنْ يَظْهَرَ لَهم مِن جِنْسِ ما خَلَقَ مِنَ اليَنابِيعِ؛ والجَنّاتِ؛ والذَّهَبِ؛ والزُّخْرُفِ؛ عَلى كَيْفِيّاتٍ مَخْصُوصَةٍ؛ لِغَيْرِ حاجَةِ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ وقَدِ امْتَنَعُوا بُخْلًا؛ وأنَفَةً؛ وجَهْلًا عَنْ الِاعْتِرافِ لَهُ بِما أوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ؛ شُكْرًا لِنِعْمَتِهِ؛ واسْتِدْفاعًا لِنِقْمَتِهِ؛ بَعْدَ قِيامِ الدَّلائِلِ؛ وزَوالِ (p-٥٢٠)الشُّبَهِ؛ فَلا أبْخَلَ مِنهُمْ؛ لِأنَّهم بَخِلُوا مِمّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الكَلامِ؛ كَما قالَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -: ”أبْخَلُ النّاسِ مَن بَخِلَ بِالسَّلامِ“؛ أمَرَهُ أنْ يُنَبِّهَهم عَلى سَفَهِهِمْ في ذَلِكَ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿قُلْ لَوْ﴾؛ ولَمّا كانَ مِن حَقِّ ”لَوْ“؛ الدُّخُولُ عَلى الأفْعالِ؛ عُلِمَ أنَّ بَعْدَها فِعْلًا مِن جِنْسِ ما بَعْدُ؛ تَقْدِيرُهُ: ”تَمْلِكُونَ“؛ ولَكِنَّهُ حَذَفَهُ؛ وفَصَلَ الضَّمِيرَ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ الحُكْمُ عَلَيْهِمْ بادِئَ بَدْءٍ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿أنْتُمْ﴾؛ أيْ: دُونَ غَيْرِكُمْ؛ ﴿تَمْلِكُونَ خَزائِنَ﴾؛ عَبَّرَ بِصِيغَةِ مُنْتَهى الجُمُوعِ؛ لِأنَّ المَقامَ جَدِيرٌ بِالمُبالَغَةِ؛ ﴿رَحْمَةِ﴾؛ أيْ: إرْزاقَ؛ وإكْرامَ؛ ﴿رَبِّي﴾؛ المُحْسِنِ إلَيَّ بِإيتائِي جَمِيعَ ما ثَبَّتَ أمْرِي؛ وأوْضَحَهُ؛ وهي مَقْدُوراتُهُ الَّتِي يَرْحَمُ بِها عِبادَهُ؛ بِإضافَتِها عَلَيْهِمْ؛ ﴿إذًا لأمْسَكْتُمْ﴾؛ أيْ: لَوَقَعَ مِنكُمُ الإمْساكُ عَنِ الإنْفاقِ في بَعْضِ الوُجُوهِ الَّتِي تَحْتاجُونَها؛ ﴿خَشْيَةَ﴾؛ عاقِبَةِ ﴿الإنْفاقِ﴾؛ أيْ: المُوصِلِ إلى الفَقْرِ؛ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلى صِحَّةِ هَذا المَفْرُوضِ بِالمُشاهَدِ مِن مَضْمُونِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وكانَ﴾؛ أيْ: جِبِلَّةً وطَبْعًا؛ ﴿الإنْسانُ﴾؛ أيْ: الَّذِي مِن شَأْنِهِ الأنَسُ بِنَفْسِهِ؛ فَهو لِذَلِكَ لا يَعْقِلُ الأُمُورَ حَقَّ عَقْلِها؛ ﴿قَتُورًا﴾؛ أيْ: بَخِيلًا مُمْسِكًا غايَةَ الإمْساكِ؛ لِإمْكانِ أنْ يَكُونَ فَقِيرًا؛ فَلا تَراهُ إلّا مُضَيِّقًا في النَّفَقَةِ عَلى نَفْسِهِ؛ ومَن (p-٥٢١)تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ شَدِيدًا في ذَلِكَ؛ وإنِ اتَّسَعَتْ أحْوالُهُ؛ وزادَتْ عَلى الحَدِّ أمْوالُهُ؛ لِما فِيهِ مِن صِفَةِ النَّقْصِ اللّازِمَةِ بِلُزُومِ الحاجَةِ لَهُ؛ طُبِعَ عَلى ذَلِكَ؛ فَهو في غَرِيزَتِهِ بِالقُوَّةِ؛ فَكُلُّهم يَفْعَلُهُ؛ إلّا مَن وفَّقَهُ اللَّهُ (تَعالى)؛ فَغَلَبَ عَقْلُهُ عَلى هَواهُ؛ وقَلِيلٌ ما هُمْ؛ أيْ: فَإذا كانَ هَذا أمْرَكم فِيما تَمْلِكُونَهُ؛ مَعَ الحاجَةِ إلى الوُجُوهِ المُنْفَقِ فِيها؛ فَكَيْفَ تَطْلُبُونَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - ما لا يَمْلِكُهُ؛ ولا ادَّعى القُدْرَةَ عَلَيْهِ؛ أوْ مِنَ الخالِقِ الحَكِيمِ أنْ يَفْعَلَ ما تَتَعَنَّتُونَ بِهِ؛ عَبَثًا بِغَيْرِ حاجَةٍ أصْلًا؟! لِأنَّهُ إنْ كانَ لِإثْباتِ قُدْرَتِهِ فَأنْتُمْ لا تَمْتَرُونَ فِيها؛ وإنْ كانَ لِإثْباتِ رِسالَةِ نَبِيِّكُمْ؛ فَقَدْ ثَبَتَ بِأُمُورٍ - أعْظَمُها هَذا القُرْآنُ الَّذِي مَرَّ آنِفًا - إقامَةُ الدَّلِيلِ عَلَيْها بِهِ؛ وهَتْكُ أسْتارِ شُبْهَتِكم في اسْتِبْعادِ كَوْنِ الرَّسُولِ بَشَرًا؛ واللَّهُ (تَعالى) قَدْ أكْرَمَكم بِنَبِيِّكم عَنْ أنْ يُعاجِلَكم بِالِاسْتِئْصالِ عِنْدَ العِصْيانِ؛ بَعْدَ كَشْفِ الغِطاءِ؛ كَما جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ في جَمِيعِ الأُمَمِ؛ وإنْ كانَ لِإثْباتِ غِناكم فَهو شَيْءٌ لا يُغْنِي نُفُوسَكُمْ؛ فَيَرُدَّها عَنْ طَلَبِ المَزِيدِ؛ وعَنِ التَّقْتِيرِ؛ لِما طُبِعْتُمْ عَلَيْهِ؛ بَلْ تَكُونُونَ عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ لَكُمْ؛ لِحُصُولِ الغِنى؛ كالمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضاءِ بِالنّارِ؛ وهو قَدْ قَضى أنَّهُ يَظْهَرُ أمْرُهُ عَلى كُلِّ مَن ناوَأهُ؛ وإنْ كَرِهَ الكافِرُونَ؛ وقَدْ عَلِمَ مَن يُؤْمِنُ؛ فَيُيَسِّرُ لَهُ الإيمانَ؛ ويَجْعَلُهُ (p-٥٢٢)عَوْنًا لِحِزْبِ الرَّحْمَنِ؛ ومَن لا يُؤْمِنُ فَهو يَجْعَلُهُ مَعَ أوْلِياءِ الشَّيْطانِ؛ ويُذِيقُ الكُلَّ الهَوانَ؛ ويَجْعَلُهم وقُودًا لِلنِّيرانِ؛ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذا كُلِّهِ في إجابَتِكم إلى تَعَنُّتِكم إلّا العَبَثُ؛ الَّذِي هو - سُبْحانَهُ - مُتَعالٍ عَنْهُ؛ فَلا وجْهَ يُحَصِّلُ بِهِ الإنْسانُ الغِنى إلّا اتِّباعُ السُّنَّةِ؛ والِانْسِلاخُ عَنِ الهَوى؛ فَمَن وصَلَ إلى ذَلِكَ اسْتَوى عِنْدَهُ الذَّهَبُ والحَصْباءُ.
{"ayah":"قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَاۤىِٕنَ رَحۡمَةِ رَبِّیۤ إِذࣰا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡیَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ قَتُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق