الباحث القرآني
ثُمَّ كَرَّرَ التَّحْذِيرَ مِن ذَلِكَ اليَوْمِ عَلى وجْهٍ يَزِيدُ عَلى ما أفْهَمَتْهُ الآيَةُ السّالِفَةُ؛ وهو أنَّ الشَّهادَةَ تَقَعُ عَلى الأُمَمِ؛ لا لَهُمْ؛ وتَكُونُ بِحَضْرَتِهِمْ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ويَوْمَ﴾؛ أيْ: وخَوِّفْهم يَوْمَ ﴿نَبْعَثُ﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾؛ مِنَ الأُمَمِ؛ ﴿شَهِيدًا﴾؛ أيْ: هو في أعْلى رُتَبِ الشَّهادَةِ؛ ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ ولَمّا كانَتْ بِعْثَةُ الأنْبِياءِ السّابِقِينَ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - خاصَّةً بِقَوْمِهِمْ؛ إلّا قَلِيلًا؛ قالَ: ﴿مِن أنْفُسِهِمْ﴾؛ وهو نَبِيُّهم.
ولَمّا كانَ لِذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ التَّحَقُّقِ ما لا شُبْهَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ؛ وكَذا شَهادَةُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -؛ عَبَّرَ بِالماضِي؛ إشارَةً إلى ذَلِكَ؛ وإلى أنَّهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ مِن حِينِ بَعْثِهِ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ العَلِيَّةِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وجِئْنا﴾؛ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ؛ ﴿بِكَ شَهِيدًا﴾؛ أيْ: شَهادَةً هي مُناسِبَةٌ لِعَظَمَتِنا؛ ﴿عَلى هَؤُلاءِ﴾؛ أيْ: الَّذِينَ بَعَثْناكَ (p-٢٣٣)إلَيْهِمْ؛ وهم أهْلُ الأرْضِ؛ وأكْثَرُهم لَيْسَ مِن قَوْمِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -؛ ولِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ بِعْثَتَهُ بِشَيْءٍ؛ ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ لا إعْذارَ في شُهَدائِهِ؛ فَإنَّهُ لا حُجَّةَ في ذَلِكَ اليَوْمِ لِمَن خالَفَ أمْرَهُ اليَوْمَ؛ لِأنَّهُ - سُبْحانَهُ - أزاحَ العِلَلَ؛ وتَرَكَ الأمْرَ عَلى بَيْضاءَ نَقِيَّةٍ؛ لَيْلُها كَنَهارِها؛ لا يَزِيغُ عَنْها إلّا هالِكٌ؛ فَقالَ - عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ: ”وما أنْزَلَنا عَلَيْكَ الكِتابَ“؛ الآيَةَ؛ المُتَعَقِّبِ لِقَوْلِهِ: ”لا جَرَمَ“؛ الآيَتَيْنِ -: ﴿ونَـزَّلْنا﴾؛ أيْ: بِعَظَمَتِنا؛ بِحَسَبِ التَّدْرِيجِ؛ والتَّنْجِيمِ؛ ﴿عَلَيْكَ الكِتابَ﴾؛ الجامِعَ لِلْهُدى؛ ﴿تِبْيانًا﴾؛ أيْ: لِأجْلِ البَيانِ التّامِّ؛ قالُوا: وهو اسْمٌ؛ ولَيْسَ بِمَصْدَرٍ؛ كَـ ”تِلْقاءُ“؛ ﴿لِكُلِّ شَيْءٍ﴾؛ ورَدَّ عَلَيْكَ مِن أسْئِلَتِهِمْ؛ ووَقائِعِهِمْ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ وهو في أعْلى طَبَقاتِ البَيانِ؛ كَما أنَّهُ في أعْلى طَبَقاتِ البَلاغَةِ؛ لِأنَّ المَعْنى بِهِ أسْرَعُ إلى الأفْهامِ؛ وأظْهَرُ في الإدْراكِ؛ والنَّفْسُ أشَدُّ تَقَبُّلًا لَهُ لِما هو عَلَيْهِ مِن حُسْنِ النِّظامِ؛ والقُرْبِ إلى الأفْهامِ؛ وإنَّما احْتِيجَ إلى تَفْسِيرِهِ؛ مَعَ أنَّهُ في نِهايَةِ البَيانِ؛ لِتَقْصِيرِ الإنْسانِ في العِلْمِ بِمَذاهِبِ العَرَبِ الَّذِينَ هُمُ الأصْلُ في هَذا اللِّسانِ؛ وتَقْصِيرِ العَرَبِ عَنْ جَمِيعِ مَقاصِدِهِ؛ كَما قَصَّرُوا عَنْ دَرَجَتِهِ في البَلاغَةِ؛ فَرَجَعَتِ الحاجَةُ إلى تَقْصِيرِ الفَهْمِ؛ لا إلى تَقْصِيرِ الكَلامِ في البَيانِ؛ ولِهَذا تَفاوَتَ النّاسُ في فَهْمِهِ لِتَفاوُتِهِمْ في دَرَجاتِ البَلاغَةِ؛ ومَعْرِفَةِ طُرُقِ العَرَبِ في جَمِيعِ أسالِيبِها؛ قالَ الإمامُ الشّافِعِيُّ (p-٢٣٤)- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في آخِرِ خُطْبَةِ الرِّسالَةِ؛ بَعْدَ أنْ دَعا اللَّهَ (تَعالى) أنْ يَرْزُقَهُ فَهْمًا في كِتابِهِ؛ ثُمَّ في سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -: فَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأحَدٍ مِن أهْلِ دِينِ اللَّهِ نازِلَةٌ إلّا وفي كِتابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلى سَبِيلِ الهُدى فِيها - واحْتَجَّ بِآياتٍ؛ مِنها هَذِهِ -؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ - سُبْحانَهُ - بَيَّنَ فِيهِ التَّوْحِيدَ؛ والمَبْدَأ؛ والمَعادَ؛ والأمْرَ؛ والنَّهْيَ؛ والحَلالَ؛ والحَرامَ؛ والحُدُودَ؛ والأحْكامَ؛ بِالنَّصِّ عَلى بَعْضِها؛ وبِالإحالَةِ عَلى السُّنَّةِ في الآخَرِ؛ وعَلى الإجْماعِ في نَحْوِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١١٥]؛ وعَلى الِاقْتِداءِ بِالخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ؛ في قَوْلِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -: ”عَلَيْكم بِسُنَّتِي؛ وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ مِن بَعْدِي“؛ وبِالِاقْتِداءِ بِجَمِيعِ أصْحابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -؛ في قَوْلِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -: ”أصْحابِي كالنُّجُومِ؛ بِأيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ“؛ وقَدِ اجْتَهَدُوا؛ وقاسُوا؛ ووَطَّؤُوا طُرُقَ القِياسِ والِاجْتِهادِ؛ ولَمْ يَخْرُجْ أحَدٌ مِنهم عَنِ الكِتابِ؛ والسُّنَّةِ؛ فَهو مِن دَلائِلِ النُّبُوَّةِ في كَوْنِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ - شَهِيدًا؛ لِكَوْنِهِ ما أخْبَرَ عَنْهم إلّا بِما هم أهْلُهُ. (p-٢٣٥)ولَمّا كانَ التِّبْيانُ قَدْ يَكُونُ لِلضَّلالِ؛ قالَ (تَعالى): ﴿وهُدًى﴾؛ أيْ: مُوصِلًا إلى المَقْصُودِ؛ ولَمّا كانَ ذَلِكَ قَدْ لا يَكُونُ عَلى سَبِيلِ الإكْرامِ؛ قالَ (تَعالى): ﴿ورَحْمَةً﴾؛ ولَمّا كانَ الإكْرامُ قَدْ لا يَكُونُ بِما هو في أعْلى طَبَقاتِ السُّرُورِ؛ قالَ - سُبْحانَهُ -: ﴿وبُشْرى﴾؛ أيْ: بِشارَةً عَظِيمَةً جِدًّا؛ ﴿لِلْمُسْلِمِينَ﴾؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: ”فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ“؛ وهو رَسُولُهُمُ الَّذِي أرْسَلْناهُ إلَيْهِمْ في الدُّنْيا؛ ”وجِئْنا بِكَ شَهِيدًا عَلى هَؤُلاءِ“؛ لِكَوْنِنا أرْسَلْناكَ إلَيْهِمْ؛ وجَعَلْناكَ أمِينًا عَلَيْهِمْ”؛ ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ“؛ فَلا عُذْرَ لَهُمْ؛ فَيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى ما دَلَّ الكَلامُ السّابِقُ دَلالَةً واضِحَةً عَلى تَقْدِيرِهِ.
{"ayah":"وَیَوۡمَ نَبۡعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدًا عَلَیۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِیدًا عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق