الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المَقْصُودُ مِن تَعْدادِ هَذِهِ النِّعَمِ الإعْلامَ بِأنَّهُ الفاعِلُ بِالِاخْتِيارِ وحْدَهُ؛ لا الطَّبائِعُ؛ ولا غَيْرُها؛ دَلَّهم عَلى ذَلِكَ مَضْمُونًا إلى ما مَضى؛ بِقَوْلِهِ - مُقَرِّرًا لَهم -: ﴿ألَمْ يَرَوْا﴾؛ بِالخِطابِ؛ والغَيْبَةِ - عَلى اخْتِلافِ القِراءَتَيْنِ -؛ لِأنَّ سِياقَ الكَلامِ وسِباقَهُ يَحْتَمِلُ المُقْبِلَ؛ والمُعْرِضَ؛ بِخِلافِ سِياقِ المُلْكِ؛ فَإنَّهُ لِلْمُعْرِضِ فَقَطْ؛ فَلِذا اخْتَلَفَ القُرّاءُ هُنا؛ وأجْمَعُوا هُناكَ؛ ﴿إلى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ﴾؛ أيْ: مُذَلَّلاتٍ لِلطَّيَرانِ؛ بِما أقامَهُنَّ اللَّهُ فِيهِ مِنَ المَصالِحِ؛ والحِكَمِ؛ بِالطَّيَرانِ؛ وغَيْرِهِ؛ ﴿فِي جَوِّ السَّماءِ﴾؛ في الهَواءِ؛ بَيْنَ الخافِقَيْنِ؛ بِما لا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ مَعَ مُشارَكَتِكم لَها في السَّمْعِ؛ والبَصَرِ؛ وزِيادَتِكم عَلَيْها بِالعُقُولِ؛ فَعُلِمَ قَطْعًا ما وصَلَ بِذَلِكَ مِن قَوْلِهِ: ﴿ما يُمْسِكُهُنَّ﴾؛ أيْ: في الجَوِّ عَنِ الوُقُوعِ. (p-٢٢٤)ولَمّا كانَ لِلسِّياقِ هُنا مُدْخَلٌ عَظِيمٌ في الرَّدِّ عَلى أهْلِ الطَّبائِعِ؛ وهُمُ الفَلاسِفَةُ؛ ولَهم وقْعٌ عَظِيمٌ في قُلُوبِ النّاسِ؛ عَبَّرَ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ؛ إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَقْوى عَلى رَدِّ شُبَهِهِمْ إلّا مَن أحاطَ عِلْمًا بِمَعانِي الأسْماءِ الحُسْنى؛ فَكانَ مُتَمَكِّنًا مِن عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ؛ فَقالَ: ﴿إلا اللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ الأعْظَمُ؛ لِأنَّ نِسْبَتَكم وإيّاها إلى الطَّبِيعَةِ واحِدَةٌ؛ فَلَوْ كانَ ذَلِكَ فِعْلَها لاسْتَوَيْتُمْ؛ ثُمَّ نَبَّهَهم عَلى ما في ذَلِكَ مِنَ الحِكَمِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الأمْرِ العَظِيمِ؛ مِن إخْراجِكم عَلى تِلْكَ الهَيْئَةِ؛ والإنْعامِ عَلَيْكم بِما لَيْسَ لَها؛ وتَقْدِيرِها عَلى ما لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ مَعَ نَقْصِها عَنْكُمْ؛ ﴿لآياتٍ﴾؛ ولَمّا كانَ مَن لَمْ يَنْتَفِعْ بِالشَّيْءِ كَأنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ قالَ (تَعالى): ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾؛ أيْ: هَيَّأهُمُ الفاعِلُ المُخْتارُ لِلْإيمانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب