الباحث القرآني

ولَمّا ذَكَرَ الخَلْقَ والرِّزْقَ؛ أتْبَعَهُما الألْذاذَ بِالتَّأنُّسِ بِالجِنْسِ مِنَ الأزْواجِ؛ والأوْلادِ؛ وغَيْرِهِما؛ اللّازِمِ لَهُ القِيامُ بِالمَصالِحِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ تَمامُ القُدْرَةِ؛ وكَمالُ العِلْمِ؛ ﴿جَعَلَ لَكُمْ﴾؛ ولَمّا كانَ الأزْواجُ مِنَ الجِنْسِ؛ قالَ: ﴿مِن أنْفُسِكُمْ﴾؛ لِأنَّ الشَّيْءَ آلَفُ لِنَوْعِهِ؛ وأقْرَبُ إلى جِنْسِهِ؛ ﴿أزْواجًا﴾؛ أيْ: تَتَوالَدُونَ بِها؛ ويَكُونُ السُّكُونُ إلَيْها سَبَبًا لِبَقاءِ نَوْعِكُمْ؛ ﴿وجَعَلَ لَكُمْ﴾؛ أيْ: أيُّها النّاسُ؛ الَّذِينَ يُوَجِّهُونَ رَغَباتِهِمْ إلى غَيْرِهِ؛ ﴿مِن أزْواجِكم بَنِينَ﴾؛ ولَعَلَّهُ قَدَّمَهم لِلشَّرَفِ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلى ذَلِكَ ما هو أعَمُّ؛ فَقالَ: ﴿وحَفَدَةً﴾؛ أيْ: مِنَ البَناتِ؛ والبَنِينَ؛ وأوْلادِهِمْ؛ والأصْهارِ؛ والأخْتانِ؛ جَمْعُ ”حافِدٌ“؛ يَخِفُّونَ في أعْمالِكُمْ؛ ويُسْرِعُونَ في خَدْمِكُمْ؛ طاعَةً ومُوالاةً؛ لا كَما يَفْعَلُ الأجانِبُ؛ وبَعْضُ العاقِّينَ؛ وهَذا مَعْنى ما نَقَلَهُ الرُّمّانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - مِن أنَّهُ فَسَّرَهم بِالخُدّامِ؛ والأعْوانِ؛ وهو الصَّوابُ؛ لِأنَّ مادَّةَ ”حَفَدَ“؛ (p-٢١١)تَدُورُ عَلى الإسْراعِ؛ والخِفَّةِ: ”حَفَدَ“: خَفَّ في العَمَلِ؛ وأسْرَعَ؛ و”الحَفَدُ“؛ مُحَرَّكَةً: الخَدَمُ؛ لِخِفَّتِهِمْ؛ ومَشْيٌ دُونَ الخَبَبِ؛ و”الحَفَدَةُ“: البَناتُ؛ وأوْلادُ الأوْلادِ؛ أوِ الأصْهارِ؛ لِذَلِكَ؛ وصُنّاعُ الوَشْيِ؛ لِإسْراعِهِمْ فِيهِ؛ وإسْراعِ لابِسِهِ إلى لُبْسِهِ مُنْبَسِطَ النَّفْسِ؛ و”المَحْفِدُ“؛ كَـ ”مَجْلِسٌ“؛ و”مِنبَرٌ“: شَيْءٌ يُعْلَفُ فِيهِ الدَّوابُّ؛ لِإسْراعِها إلَيْهِ؛ وكَـ ”مِنبَرٌ“: طَرَفُ الثَّوْبِ؛ لِإسْراعِ حَرَكَتِهِ؛ وقَدَحٌ يُكالُ بِهِ؛ لِخِفَّتِهِ؛ وكَـ ”مَجْلِسٌ“: الأصْلُ؛ لِدَوَرانِ الأُمُورِ عَلَيْهِ؛ وإسْراعِها إلَيْهِ؛ و”سَيْفٌ مُحْتَفِدٌ“: سَرِيعُ القَطْعِ؛ و”أحْفَدَهُ“: حَمَلَهُ عَلى الإسْراعِ؛ و”الفادِحَةُ“: النّازِلَةُ؛ و”فَوادِحُ الدَّهْرِ“؛ خُطُوبُهُ؛ لِإسْراعِها بِالمَكْرُوهِ؛ وإسْراعِ المَنزُولِ بِهِ؛ ومَن يُهِمُّهُ شَأْنُهُ؛ إلى مُدافَعَتِها؛ ومِن ذَلِكَ ”فَدَحَهُ الأمْرُ“: أثْقَلُهُ؛ لِأنَّ المَكْرُوهَ يُسْرِعُ فَيُثْقِلُ؛ فَيَكْثُرُ اضْطِرابُ المَنزُولِ بِهِ. (p-٢١٢)ولَمّا ذَكَرَ ذَلِكَ - سُبْحانَهُ -؛ أتْبَعُ ما لا يَطِيبُ العَيْشُ إلّا بِهِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ورَزَقَكُمْ﴾؛ أيْ: لِإقامَةِ أوَدِكُمْ؛ وإصْلاحِ أحْوالِكُمْ؛ ولَمّا كانَ كُلُّ النَّعِيمِ إنَّما هو في الجَنَّةِ؛ بَعَّضَ؛ فَقالَ: ﴿مِنَ الطَّيِّباتِ﴾؛ بِجَعْلِهِ مُلائِمًا لِلطِّباعِ؛ شَهِيًّا لِلْأرْواحِ؛ نافِعًا لِلْإشْباعِ؛ فَعُلِمَ مِن هَذا قَطْعًا أنَّ صاحِبَ هَذِهِ الأفْعالِ؛ هو المُخْتَصُّ بِالجَلالِ؛ ومَن أنْكَرَ شَيْئًا مِن حَقِّهِ فَقَدْ ضَلَّ أبْعَدَ الضَّلالِ؛ فَكَيْفَ بِمَن أنْكَرَ خَيْرَهُ؛ وعَبَدَ غَيْرَهُ؛ وهو بِاسْمِ العَدَمِ أحَقُّ مِنهُ بِاسْمِ الوُجُودِ؟! فَلِذَلِكَ تَسَبَّبَ عَنْهُ قَوْلُهُ - مُعْرِضًا عَنْ خِطابِهِمْ إعْراضَ المُغْضَبِ -: ﴿أفَبِالباطِلِ﴾؛ أيْ: مِنَ الأصْنامِ؛ وما جَعَلُوا لَهم مِنَ النَّصِيبِ؛ ﴿يُؤْمِنُونَ﴾؛ أيْ: عَلى سَبِيلِ التَّجْدِيدِ؛ والِاسْتِمْرارِ؛ ﴿وبِنِعْمَةِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٦٧]؛ أيْ: المَلِكِ الأعْظَمِ؛ ﴿هُمْ﴾؛ ولَهُ عَلَيْهِمْ خاصَّةً - غَيْرَ ما يُشارِكُونَ فِيهِ النّاسَ - مِنَ المِنَنِ ما لَهُ؛ ﴿يَكْفُرُونَ﴾؛ حَتّى إنَّهم يَجْعَلُونَ مِمّا أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ السّائِبَةِ؛ والوَصِيلَةِ؛ والحامِي؛ وغَيْرِها؛ لِأصْنامِهِمْ؛ وذَلِكَ مُتَضَمِّنٌ لِكُفْرانِ النِّعْمَةِ الكائِنَةِ مِنهُ؛ ومُتَضَمِّنٌ لِنِسْبَتِها إلى غَيْرِهِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهم في شَيْءٍ مِمّا حَرَّمُوهُ؛ (p-٢١٣)ولا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ في مالِ المالِكِ إلّا بِإذْنِهِ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب