الباحث القرآني

ولَمّا أيْقَظَهم مِن رَقْدَتِهِمْ؛ ونَبَّهَهم عَلى عَظِيمِ غَفْلَتِهِمْ؛ عَنْ عُمُومِ القُدْرَةِ؛ وشُمُولِ العِلْمِ؛ المُقْتَضِي لِلْفِعْلِ بِالِاخْتِيارِ؛ المُحَقِّقِ لِلْبَعْثِ وغَيْرِهِ؛ مِن كُلِّ ما يُرِيدُهُ - سُبْحانَهُ - بِبَعْضِ آياتِهِ المَبْثُوثَةِ في الآفاقِ؛ مِن جَمادٍ؛ ثُمَّ حَيَوانٍ؛ وخَتَمَ ذَلِكَ بِما هو شِفاءٌ؛ ثَنّى بِبَعْضِ ما في أنْفُسِهِمْ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى ذَلِكَ؛ مُذَكِّرًا بِمَراتِبِ عُمْرِ الإنْسانِ الأرْبَعِ؛ وهي سِنُّ الطُّفُولِيَّةِ والنُّمُوِّ؛ ثُمَّ سِنُّ الشَّبابِ؛ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ انْتِهائِهِ الوُقُوفُ؛ ثُمَّ سِنُّ الكُهُولَةِ؛ وفِيهِ يَكُونُ الِانْحِطاطُ؛ مَعَ بَقاءِ القُوَّةِ؛ ثُمَّ سِنُّ الِانْحِطاطِ مَعَ ظُهُورِ الضَّعْفِ؛ وهو الشَّيْخُوخَةُ؛ مُضَمَّنًا ما لا يُغْنِي عَنْهُ دَواءٌ؛ حَثًّا عَلى التَّفَكُّرِ في آياتِهِ؛ والتَّعَقُّلِ لَها قَبْلَ حُلُولِ ذَلِكَ الحادِثِ؛ فَيَفُوتَ الفَوْتُ؛ ويَنْدَمُوا حَيْثُ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ؛ فَقالَ: ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا؛ ﴿خَلَقَكُمْ﴾؛ فَجَعَلَكم بَعْدَ العَدَمِ أحْياءً؛ فُهَّمًا؛ خِصَّمًا؛ ﴿ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ﴾؛ عَلى اخْتِلافِ الأسْنانِ؛ فَلا يَقْدِرُ الصَّغِيرُ عَلى أنْ يُؤَخِّرَ؛ ولا الكَبِيرُ عَلى أنْ يُقَدِّمَ؛ فَمِنكم مَن يَمُوتُ حالَ قُوَّتِهِ؛﴿ومِنكم مَن يُرَدُّ﴾؛ أيْ: بِأيْسَرِ أمْرٍ مِنّا؛ لا يَقْدِرُ عَلى مُخالَفَتِهِ بِوَجْهٍ؛ ﴿إلى أرْذَلِ العُمُرِ﴾؛ لِأنَّهُ يَهْرَمُ؛ فَيَصِيرُ إلى مِثْلِ حالِ الطُّفُولِيَّةِ (p-٢٠٦)فِي الضَّعْفِ؛ مَعَ اسْتِقْذارِ غَيْرِهِ لَهُ؛ ولا يُرْجى بَعْدَهُ؛ ﴿لِكَيْ لا يَعْلَمَ﴾؛ ولَمّا كانَ مَقْصُودُ السُّورَةِ الدَّلالَةَ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ؛ وشُمُولِ العِلْمِ؛ والتَّنَزُّهِ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ؛ وكانَ السِّياقُ هُنا لِذَلِكَ أيْضًا؛ بِدَلِيلِ خَتْمِ الآيَةِ؛ نَزَعَ الخافِضَ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِغْراقِ الجَهْلِ لِزَمَنِ ما بَعْدَ العِلْمِ؛ فَيَتَّصِلُ بِالمَوْتِ؛ ولا يَنْفَعُ فِيهِ دَواءٌ؛ ولا تُجْدِي مَعَهُ حِيلَةٌ؛ فَقالَ: ﴿بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾؛ لا يُوجَدُ في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ عِنْدَ إحْلالِهِ شِفاءٌ؛ ولا يَمْنَعُهُ دَواءٌ: فَبادِرُوا إلى التَّفَكُّرِ؛ والِاعْتِبارِ؛ قَبْلَ حُلُولِ أحَدِ هَذَيْنِ؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ؛ ﴿عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾؛ أيْ: بالِغُ العِلْمِ؛ شامِلُ القُدْرَةِ؛ فَمَهْما أرادَ؛ كانَ؛ ومَهْما أرادَ غَيْرُهُ ولَمْ يُرِدْهُ هُوَ؛ أحاطَ بِهِ عِلْمُهُ؛ فَسَبَّبَ لَهُ بِقُدْرَتِهِ ما يَمْنَعُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب