الباحث القرآني

(p-١٩١)ولَمّا انْقَضى الدَّلِيلُ عَلى أنَّ قُلُوبَهم مُنْكِرَةٌ اسْتِكْبارًا؛ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ وخَتَمَهُ بِما أحْيا بِهِ القُلُوبَ بِالإيمانِ؛ والعِلْمِ؛ بَعْدَ مَوْتِها بِالكُفْرِ؛ والجَهْلِ؛ وكانَ المَقْصُودُ الأعْظَمُ مِنَ القُرْآنِ تَقْرِيرَ أُصُولٍ أرْبَعَةٍ: الإلَهِيّاتِ؛ والنُّبُوّاتِ؛ والمَعادِ؛ وإثْباتِ القَضاءِ والقَدَرِ؛ والفِعْلِ بِالِاخْتِيارِ؛ وكانَ أجَلُّ هَذِهِ المَقاصِدِ الإلَهِيّاتِ؛ شَرَعَ في أدِلَّةِ الوَحْدانِيَّةِ؛ والقُدْرَةِ؛ والفِعْلِ بِالِاخْتِيارِ؛ المُسْتَلْزِمِ لِلْقُدْرَةِ عَلى البَعْثِ؛ عَلى وجْهٍ غَيْرِ المُتَقَدِّمِ؛ لِيُعْلَمَ أنَّ أدِلَّةَ ذَلِكَ أكْثَرُ مِن أوْراقِ الأشْجارِ؛ وأجْلى مِن ضِياءِ النَّهارِ؛ فَعَطَفَ عَلى قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وما تُعْلِنُونَ﴾ [النحل: ١٩]؛ قَوْلَهُ - جامِعًا في الدَّلِيلِ بَيْنَ العالَمِ العُلْوِيِّ؛ والعالَمِ السُّفْلِيِّ -: ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الأمْرُ كُلُّهُ؛ ﴿أنْـزَلَ مِنَ السَّماءِ﴾؛ في الوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ؛ ﴿ماءً﴾؛ بِالمَطَرِ؛ والثَّلْجِ؛ والبَرَدِ؛ ﴿فَأحْيا بِهِ الأرْضَ﴾؛ الغَبْراءَ؛ ولَمّا كانَتْ عادَتُهُ بِذَلِكَ مُسْتَمِرَّةً؛ وكانَ السِّياقُ لِإثْباتِ دَعائِمِ الدِّينِ؛ وكانَ الإحْياءُ بِالماءِ لا يَزالُ أثَرُهُ قائِمًا في زَرْعٍ؛ أوْ شَجَرٍ؛ في بَعْضِ الأراضِي؛ أعْرى الظَّرْفَ مِنَ الجارِّ؛ لِأنَّ المَعْنى بِهِ أبْلَغُ؛ فَقالَ: ﴿بَعْدَ مَوْتِها﴾؛ بِاليُبُوسَةِ؛ والجُدْبِ؛ وتَفَتُّتِ النَّباتِ أصْلًا؛ ورَأْسًا. ولَمّا كانَ ما أقامَهُ عَلى ذَلِكَ في هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الأدِلَّةِ قَدْ صارَ إلى (p-١٩٢)حَدٍّ لا يَحْتاجُ مَعَهُ السّامِعُ العاقِلُ إلى أكْثَرَ مِنَ السَّماعِ؛ قالَ (تَعالى): ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾؛ الماءِ المُؤَثِّرِ؛ بِتَدْبِيرِهِ؛ هَذا الأثَرَ العَظِيمَ؛ ﴿لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾؛ هَذا التَّنْبِيهُ في هَذا الأُسْلُوبِ المُتَضَمِّنِ لِما مَضى مِنَ التَّشْبِيهِ؛ فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ يُنَزِّلُ مِن أمْرِهِ ما يُرِيدُهُ؛ فَيُحْيِي بِهِ أجْسادَ العِبادِ؛ بَعْدَ مَوْتِها؛ كَما أحْيا أجْسادَ النَّباتِ بِالماءِ؛ بَعْدَ مَوْتِها؛ وأرْواحَ الأشْباحِ بِالعِلْمِ؛ بَعْدَ مَوْتِها؛ والحاصِلُ أنَّ هَذِهِ الأدِلَّةَ لا تَحْتاجُ مَعَ الحِسِّ إلى كَبِيرِ عَمَلٍ بِالقَلْبِ؛ غَيْرِ الِانْقِيادِ إلى الحَقِّ؛ وتَرْكِ العِنادِ والجَهْلِ؛ فَهو مِن سَماعِ الأُذُنِ؛ وما يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الإجابَةِ؛ اسْتِعْمالًا لِلشَّيْءِ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ؛ ولَعَلَّهُ لَمْ يَخْتِمْها بِـ ”يُبْصِرُونَ“؛ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّ ذَلِكَ مِنَ البَصِيرَةِ؛ فَيُظَنَّ أنَّهُ يَحْتاجُ فِيها إلى كَبِيرِ فِكْرٍ؛ فَيَفُوتَ ما أُرِيدَ مِنَ الإشارَةِ إلى شِدَّةِ الوُضُوحِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب