الباحث القرآني

(p-١٧٨)ولَمّا كانَ أُسْلُوبُ الغَيْبَةِ مِنَ الحاضِرِ دالًّا عَلى التَّرَدِّي بِحِجابِ الكِبَرِ؛ المُؤْذِنِ بِشِدَّةِ البَطْشِ؛ وسُرْعَةِ الِانْتِقامِ؛ وبُعْدِ المَقامِ؛ رَجَعَ إلَيْهِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ولَهُ﴾؛ فَأعادَ الضَّمِيرَ عَلى اللَّهِ؛ الِاسْمِ العَلَمِ؛ الجامِعِ لِجَمِيعِ الأسْماءِ الحُسْنى؛ ﴿ما في السَّماواتِ﴾؛ ولَمّا كانَ الأمْرُ قَدْ تَأكَّدَ وتَأطَّدَ؛ وظَهَرَ المُرادُ مِنهُ غايَةَ الظُّهُورِ؛ لَمْ يَحْتَجْ إلى تَأْكِيدِهِ بِإعادَةِ النّافِي؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿والأرْضِ﴾؛ أيْ: مِمّا تَعْبُدُونَهُ؛ وغَيْرِهِ؛ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ إلَهًا؛ وهو مِلْكُهُ؛ مَعَ كَوْنِهِ مُحْتاجًا إلى الزَّمانِ؛ والمَكانِ؛ وغَيْرِهِما؛ ﴿ولَهُ الدِّينُ﴾؛ أيْ: الخُضُوعُ؛ والتَّذَلُّلُ مِن كُلِّ ما فِيهِما؛ ومَن فِيهِما؛ بِالطَّوْعِ؛ والكَرْهِ؛ بِإنْفاذِ القَضاءِ والقَدَرِ؛ بِالصِّحَّةِ؛ والسُّقْمِ؛ والغِنى؛ والفَقْرِ؛ والحَياةِ؛ والمَوْتِ؛ والإيجادِ؛ والإعْدامِ؛ والإذْلالِ؛ والإعْزازِ؛ والإقْبالِ؛ والإعْراضِ - كَما بَيَّنَ آنِفًا -؛ ولَهُ الدَّيْنُونَةُ بِالمُجازاةِ؛ ﴿واصِبًا﴾؛ أيْ: دائِمًا؛ ثابِتًا؛ عامًّا؛ لا كالمُلُوكِ الَّذِينَ تَنْقَطِعُ مَمالِكُهم مَعَ خُصُوصِها؛ والمَعْبُوداتِ الَّتِي تَنْقَطِعُ عِبادَتُها في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ؛ (p-١٧٩)فَتَصِيرُ كاسِدَةً بَعْدَ أنْ كانَتْ رابِحَةً؛ وإنْ طالَ المَدى؛ مَعَ خُصُوصِها بِناسٍ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ ولا يَخْلُو يَوْمٌ مِنَ الأيّامِ لِمَلِكٍ غَيْرِهِ مِن جَرْيِ أُمُورٍ عَلى غَيْرِ مُرادِهِ؛ وإنْ عَظُمَ سُلْطانُهُ؛ وعَلا شَأْنُهُ؛ وكَثُرَتْ أعْوانُهُ؛ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ مَن لَهُ أدْنى بَصَرٍ أنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إلَهًا؛ وقَدْ تَقَدَّمَ فِي: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦]؛ في ”هُودٍ“؛ ما يَنْفَعُ اسْتِحْضارُهُ هُنا. ولَمّا تَقَرَّرَ هَذا الدَّلِيلُ عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ؛ وكانَ مِن مَفْهُوماتِ الدِّينِ الجَزاءُ؛ النّاظِرُ إلى الأفْعالِ الواقِيَةِ مِمّا يَضُرُّ؛ تَسَبَّبَ عَنْهُ الإنْكارُ الشَّدِيدَ عَلى مَن يَلْتَفِتُ بِشَيْءٍ مِن أفْعالِهِ إلى غَيْرِهِ؛ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأنَّهُ دائِمٌ لا يَزُولُ؛ وأنَّ كُلَّ ما سِواهُ زائِلٌ؛ فَقالَ - مُعَبِّرًا بِالتَّقْوى؛ الَّتِي هي نَتِيجَةُ الرَّهْبَةِ -: ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها؛ ﴿تَتَّقُونَ﴾؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب