الباحث القرآني

ولَمّا كانَ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ غَيْبًا؛ لِتَقَدُّمِهِ؛ وكانَ خَلْقُ الإنْسانِ عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ شَهادَةً؛ مَعَ كَوْنِهِ أدَلَّ عَلى ذَلِكَ مِن حَيْثُ إنَّهُ أشْرَفُ مِن كُلِّ ما يَعْبُدُهُ مِن دُونِ اللَّهِ؛ ولَنْ يَكُونَ الرَّبُّ أدْنى مِنَ العَبْدِ أصْلًا؛ قالَ - مُعَلِّلًا -: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾؛ أيْ: هَذا النَّوْعَ الَّذِي خَلَقَهُ أدَلَّ ما يَكُونُ عَلى الوَحْدانِيَّةِ؛ والفِعْلِ بِالِاخْتِيارِ؛ لِأنَّهُ أشْرَفُ ما في (p-١٠٧)العالَمِ السُّفْلِيِّ مِنَ الأجْسامِ؛ لِمُشارَكَتِهِ لِلْحَيَوانِ؛ الَّذِي هو أشْرَفُ مِن غَيْرِهِ بِالقُوى الشَّرِيفَةِ مِنَ الحَواسِّ الظّاهِرَةِ؛ والباطِنَةِ؛ والشَّهْوَةِ والغَضَبِ؛ واخْتِصاصِهِ بِالنُّطْقِ؛ الَّذِي هو إدْراكُ الكُلِّيّاتِ؛ والتَّصَرُّفُ فِيها بِالقِياساتِ؛ ﴿مِن نُطْفَةٍ﴾؛ أيْ: آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِن مُطْلَقِ الماءِ؛ ومَن تَفَرَّعَ مِنهُ بَعْدَ زَوْجِهِ مِن ماءٍ مُقَيَّدٍ بِالدَّفْقِ. ولَمّا كانَ - مَعَ مُشارَكَتِهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الحَيَوانِ؛ في كَوْنِهِ مِن نُطْفَةٍ - مُتَمَيِّزًا بِالنُّطْقِ المُسْتَنِدِ إلى ما في نَفْسِهِ مِن عَجائِبِ الصُّنْعِ؛ ولَطائِفِ الإدْراكِ؛ كانَ ذَلِكَ أدَلَّ دَلِيلٍ عَلى كَمالِ قُدْرَةِ الفاعِلِ؛ واخْتِيارِهِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿فَإذا هُوَ﴾؛ أيْ: الإنْسانُ المَخْلُوقُ مِنَ الماءِ المَهِينِ؛ ﴿خَصِيمٌ﴾؛ أيْ: مِنطِيقٌ؛ عارِفٌ بِالمُجادَلَةِ؛ ﴿مُبِينٌ﴾؛ أيْ: بَيِّنُ القُدْرَةِ عَلى الخِصامِ؛ ومُوَضِّحٌ لِما يُرِيدُهُ غايَةَ الإيضاحِ؛ بَعْدَ أنْ كانَ ما لا حِسَّ بِهِ؛ ولا حَرَكَةَ اخْتِيارِيَّةً عِنْدَهُ بِوَجْهٍ؛ أفَلا يَقْدِرُ الَّذِي ابْتَدَأ ذَلِكَ عَلى إعادَتِهِ؟!
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب