الباحث القرآني

(p-١٦١)ولَمّا كانَ مِن حَقِّهِمْ - بَعْدَ قِيامِ الأدِلَّةِ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ؛ وشُمُولِ عِلْمِهِ؛ وبُلُوغِ حِكْمَتِهِ في إبْداعِ جَمِيعِ المَخْلُوقاتِ؛ مِمّا نَعْلَمُ؛ وما لا نَعْلَمُ؛ عَلى أبْدَعِ تَرْتِيبٍ؛ وأحْسَنِ نِظامٍ - تَصْدِيقُ الهُداةِ في إعْلامِهِمْ بِأنَّهُ - سُبْحانَهُ - يُعِيدُهم لِلْبَعْثِ؛ وأنَّهم لَمْ يَفْعَلُوا؛ ولا طَرَقُوا لِذَلِكَ احْتِمالًا؛ بَلْ حَلَفُوا عَلى نَفْيِهِ مِن غَيْرِ شُبْهَةٍ عَرَضَتْ لَهُمْ؛ ولا إخْبارٍ عَنْ عِلْمٍ وصَلَ إلَيْهِمْ؛ فِعْلَ الجِلْفِ الجافِي الغَبِيِّ العاسِيِّ؛ أتْبَعَ ذَلِكَ - سُبْحانَهُ - تَعْجِيبًا آخَرَ مِن حالِهِمْ؛ فَقالَ - عاطِفًا عَلى ”وقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا“؛ لِأنَّ كُلًّا مِنَ الجُمْلَتَيْنِ لِبَيانِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ؛ والتَّعْجِيبِ مِنهم في ذَلِكَ؛ دالًّا عَلى أنَّ اعْتِقادَهم مَضْمُونَ هَذِهِ الجُمْلَةِ هو الَّذِي جَرَّأهم عَلى قَوْلِ الأُولى؛ وما تَفَرَّعَ مِنها -: ﴿وأقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾؛ أيْ: المَلِكِ الأعْظَمِ؛ ﴿جَهْدَ أيْمانِهِمْ﴾؛ جُعِلَتِ الأيْمانُ جاهِدَةً؛ لِكَثْرَةِ ما بالَغُوا فِيها؛ ﴿لا يَبْعَثُ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ؛ ﴿مَن يَمُوتُ﴾؛ أيْ: لا يُحْيِي أحَدًا بَعْدَ مَوْتِهِ؛ اسْتِنادًا مِنهم إلى مُجَرَّدِ اسْتِبْعادِ ما لَمْ تَجْرِ بِهِ – نَفْسِهِ - عِنْدَهم عادَةٌ؛ جُمُودًا مِنهم عَنْ حَلِّها بِأنَّ النَّشْأةَ الأُولى كانَتْ مِن غَيْرِ عادَةٍ؛ مَعَ ادِّعائِهِمْ أنَّهم أعْقَلُ النّاسِ؛ وأحَدُّهم أذْهانًا؛ وأثْقَبُهم أفْهامًا. ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿بَلى﴾؛ أيْ: لَيَبْعَثَنَّهُمْ؛ لِأنَّهُ لا مانِعَ لَهُ (p-١٦٢)مِن ذَلِكَ؛ وقَدْ وعَدَ بِهِ ﴿وعْدًا﴾؛ وبَيَّنَ أنَّهُ لا بُدَّ مِنهُ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَيْهِ﴾؛ وزادَهُ تَأْكِيدًا؛ في مُقابَلَةِ اجْتِهادِهِمْ في أيْمانِهِمْ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿حَقًّا﴾؛ أيْ: لِأنَّهُ قادِرٌ عَلَيْهِ؛ وهو لا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيْهِ؛ فَصارَ واجِبًا في الحِكْمَةِ كَوْنُهُ؛ وأمْرُ البَعْثِ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ عاقِلٍ سَمِعَ أقْوالَ الهُداةِ؛ تارِكًا لِهَواهُ؛ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ﴾؛ أيْ: بِما لَهم مِنَ الِاضْطِرابِ؛ ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾؛ أيْ: لا عِلْمَ لَهم يُوصِلُهم إلى ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ مِن عالِمِ الغَيْبِ؛ لا يُمْكِنُ عُقُولَهُمُ الوُصُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ إرْشادٍ مِنَ اللَّهِ؛ ولا هم يَقْبَلُونَ أقْوالَ الدُّعاةِ إلَيْهِ؛ الَّذِينَ أيَّدَهم بِرُوحٍ مِنهُ؛ لِتَقَيُّدِهِمْ بِما تُوَصِّلُهم إلَيْهِ عُقُولُهُمْ؛ وهي مَقْصُورَةٌ عَلى عالَمِ الشَّهادَةِ؛ لا يُمْكِنُها التَّرَقِّي مِنهُ إلى عالَمِ الغَيْبِ بِغَيْرِ وساطَةٍ مِنهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى؛ فَلِذَلِكَ تَرى الإنْسانَ مِنهم يَأْبى ذَلِكَ؛ اسْتِبْعادًا لِأنْ يَكُونَ شَيْءٌ مَعْقُولٌ لا يَصِلُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ عَقْلِهِ؛ وهو خَصِيمٌ مُبِينٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب