الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المُحَقَّقُ أنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الإيصالِ في الِاسْتِدْلالِ إلى الأمْرِ المَحْسُوسِ؛ إلّا العِنادُ؛ أعْرَضَ عَنْهُمْ؛ مُلْتَفِتًا إلى الرَّؤُوفِ بِهِمُ؛ الشَّفِيقِ عَلَيْهِمْ؛ فَقالَ - مُسَلِّيًا لَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -: ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ﴾؛ فَتَطْلُبْهُ بِغايَةِ جِدِّكَ؛ واجْتِهادِكَ؛ ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: المَلِكَ الأعْظَمَ؛ ﴿لا يَهْدِي﴾؛ أيْ: هُوَ؛ بِخَلْقِ الهِدايَةِ في القَلْبِ - هَذا عَلى قِراءَةِ الكُوفِيِّينَ؛ بِفَتْحِ الياءِ؛ وكَسْرِ الدّالِ -؛ و”مِن هادٍ ما؛ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ“؛ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ؛ بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ؛ ﴿مَن يُضِلُّ﴾؛ أيْ: مَن يَحْكُمُ بِضَلالِهِ؛ وهو الَّذِي أضَلَّهُمْ؛ فَلا يُمْكِنُ غَيْرَهُ أنْ يَهْدِيَهُمْ؛ لِأنَّهُ لا غالِبَ لِأمْرِهِ؛ وقُرِئَ شاذًّا بِفَتْحِ الياءِ؛ مِن ”ضَلَّ“؛ بِمَعْنى نَسِيَ؛؛ أيْ: فَلا تُمْكِنُ هِدايَةُ مَن نَسِيَهُ؛ أيْ (p-١٦٠)تَرَكَهُ مِنَ الهِدايَةِ؛ تَرْكَ المَنسِيِّ؛ فَإنَّهُ لَيْسَ في يَدِ غَيْرِهِ شَيْءٌ؛ ونَقَلَ الصَّغانِيُّ في ”مَجْمَعُ البَحْرَيْنِ“؛ أنَّهُ يُقالُ: ”ضَلَّ فَلانٌ البَعِيرَ“؛ أيْ: أضَلَّهُ؛ و”الضَّلالُ“؛ عِنْدَ العَرَبِ: سُلُوكُ غَيْرِ سَبِيلِ القَصْدِ؛ فالمَعْنى أنَّهُ كانَ سَبَبًا لِسُلُوكِ البَعِيرِ غَيْرَ المَقْصُودِ؛ فَمَعْنى الآيَةِ: لا يَهْدِي مَن يُضِلُّهُ اللَّهُ؛ - بِفَتْحِ الياءِ -؛ أيْ: يَكُونُ سَبَبًا لِسُلُوكِهِ غَيْرَ سَبِيلِ القَصْدِ؛ فَلا تَحْزَنْ؛ ولا يَضِقْ صَدْرُكَ مِن عَدَمِ تَأثُّرِهِمْ بِنُصْحِكَ؛ وإخْلاصِكَ في الدُّعاءِ؛ ولا يَقَعْ في فِكْرِكَ أنَّ في دُعائِكَ نَقْصًا؛ إنَّما النَّقْصُ في مَرائِيهِمُ العَمْياءِ؛ ولَيْسَ عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وما لَهُمْ﴾؛ - أيْ: هَؤُلاءِ؛ الَّذِينَ أضَلَّهُمُ اللَّهُ؛ وجَمِيعِ مَن يُضِلُّهُ؛ ﴿مِن ناصِرِينَ﴾؛ أيْ: يَنْصُرُونَهم عِنْدَ مُجازاتِهِمْ عَلى الضَّلالِ؛ لِيُنْقِذُوهم مِمّا لَحِقَهم عَلَيْهِ مِنَ الوَبالِ؛ كَما فُعِلَ بِالمُكَذِّبِينَ مِن قَبْلِهِمْ - عَطْفٌ عَلى نَتِيجَةِ ما قَبْلَهُ؛ وهُوَ: فَلا هادِيَ لَهُمْ؛ ما أرادَ اللَّهُ ضَلالَهُمْ؛ وتَبْكِيتٌ لَهُمْ؛ وتَقْرِيعٌ؛ وحَثٌّ؛ وتَهْيِيجٌ عَلى أنْ يَقُومُوا بِأنْفُسِهِمْ؛ ويَسْتَعِينُوا بِمَن شاؤُوا عَلى نَصْبِ دَلِيلِ ما يَدَّعُونَهُ مِن أنَّهم أتْبَعُ النّاسِ لِلْحَقِّ؛ إمّا بِأنْ يُبَرْهِنُوا عَلى صِحَّةِ مُعْتَقَدِهِمْ؛ أوْ يُعِينُوهم عَلى الرُّجُوعِ عَنْهُ عِنْدَ العَجْزِ عَنْ ذَلِكَ؛ أوْ يَكُفُّوا عَنْهُمُ العَذابَ إذا حاقَ بِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب