الباحث القرآني

ولَمّا تَمَّ الخَبَرُ عَنِ المُنْكِرِ لِما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى ألْسِنَةِ المَلائِكَةِ؛ مِنَ الرُّوحِ مِن أمْرِهِ؛ عَلى الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ إنْكارًا لِفَضْلِهِمْ؛ وتَكَبُّرًا بِما لَيْسَ لَهُمْ؛ بِالِاعْتِراضِ عَلى خالِقِهِمُ؛ ابْتَدَأ الخَبَرَ عَنِ المُقِرِّينَ تَصْدِيقًا لِهُداتِهِمْ؛ واعْتِرافًا بِفَضْلِهِمْ؛ وتَسْلِيمًا لِمَن هم عَبِيدُهُ؛ في تَفْضِيلِ مَن يَشاءُ؛ مُنَبِّهًا عَلى الوَصْفِ الَّذِي أوْجَبَ لَهم الِاعْتِرافَ بِالحَقِّ؛ فَقالَ - حاذِفًا لِـ ”إذا“؛ دَلالَةً عَلى الرِّضا بِأيْسَرِ شَيْءٍ مِنَ الخَيْرِ؛ والمَدْحِ عَلَيْهِ؛ ولَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ -: ﴿وقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾؛ أيْ: خافُوا عِقابَ اللَّهِ؛ ﴿ماذا﴾؛ أيْ: أيُّ شَيْءٍ؛ ﴿أنْـزَلَ رَبُّكُمْ﴾؛ أيْ: المُحْسِنُ إلَيْكم مِن رُوحِهِ؛ المُحْيِي لِلْأرْواحِ؛ عَلى رَسُولِهِ؛ ﴿قالُوا﴾؛ مُعْتَرِفِينَ بِالإنْزالِ؛ غَيْرَ مُتَوَقِّفِينَ في المَقالِ؛ فاهِمِينَ أنَّ ”ذا“ مُؤَكِّدَةٌ لِلِاسْتِفْهامِ؛ لا بِمَعْنى ”الَّذِي“: أنْزَلَ ﴿خَيْرًا﴾؛ وإنَّما أطْبَقَ القُرّاءُ عَلى نَصْبِ هَذا؛ ورَفْعِ الأوَّلِ؛ فَرْقًا بَيْنَ جَوابَيِ المُقِرِّ؛ والجاحِدِ؛ بِمُطابَقَةِ المُقِرِّ بَيْنَ الجَوابِ؛ والسُّؤالِ؛ وعُدُولِ الجاحِدِ بِجَوابِهِ (p-١٤٧)عَنِ السُّؤالِ؛ ثُمَّ أخَذَ يُرَغِّبُ بِما لَهم مِن حُسْنِ المَآلِ؛ عَلى وجْهِ الجَوابِ لِسُؤالِ مَن كَأنَّهُ قالَ: ما لَهم عَلى ذَلِكَ؟ فَقِيلَ - مُظْهِرًا مَوْضِعَ الإضْمارِ؛ مَدْحًا لَهُمْ؛ وتَعْمِيمًا لِمَنِ اتَّصَفَ بِوَصْفِهِمْ -: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا﴾؛ فَبَيَّنَ أنَّ اعْتِرافَهم بِذَلِكَ إحْسانٌ؛ ثُمَّ أخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ﴾؛ أيْ: جَزاءً لَهم عَلى إحْسانِهِمْ - ﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلا الإحْسانُ﴾ [الرحمن: ٦٠] ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الدّارُ سَرِيعَةَ الزَّوالِ؛ أخْبَرَ عَنْ حالِهِمْ في الآخِرَةِ؛ فَقالَ: ﴿ولَدارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ﴾؛ أيْ: جَزاءً ومَصِيرًا؛ ثُمَّ مَدَحَها؛ ومَدَحَهُمْ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ﴾؛ أيْ: هِيَ؛ مُرَغِّبًا في الوَصْفِ الَّذِي كانَ سَبَبَ حِيازَتِهِمْ لَها؛ وهو الخَوْفُ؛ المُنافِي لِما وصَفَ بِهِ الأشْرارَ؛ مِنَ الِاسْتِكْبارِ؛ بِإظْهارِهِ مَوْضِعَ الإضْمارِ؛ وحَذْفِ المَخْصُوصِ بِالمَدْحِ؛ لِتَقَدُّمِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ وهو صالِحٌ لِتَقْدِيرِ الدُّنْيا - أيْ: لِمَن عَمِلَ فِيها بِالتَّقْوى - ولِتَقْدِيرِ الآخِرَةِ؛ وهو واضِحٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب