الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - حالَ المَكَرَةِ المُتَمَرِّدِينَ عَلَيْهِ في الدُّنْيا؛ أخَذَ يَذْكُرُ حالَهم في الآخِرَةِ؛ تَقْرِيرًا لِلْآخِرَةِ؛ وبَيانًا لِأنَّ عَذابَهم غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلى الدُّنْيَوِيِّ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾؛ أيْ: اللَّهُ (تَعالى)؛ الَّذِي فَعَلَ بِهِمْ في الدُّنْيا ما تَقَدَّمَ؛ خِزْيًا يَشْهَدُهُ جَمِيعُ الخَلائِقِ (p-١٤٢)الوُقُوفِ في ذَلِكَ اليَوْمِ؛ فَيَحْصُلُ لَهم مِنَ الذُّلِّ - جَزاءً عَلى تَكَبُّرِهِمْ - ما يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ؛ وعَطْفُهُ بِـ ”ثُمَّ“؛ لِاسْتِبْعادِهِمْ لَهُ؛ ولِما لَهُ مِنَ الهَوْلِ والعَظَمَةِ؛ الَّتِي يُسْتَصْغَرُ لَها كُلُّ هَوْلٍ؛ ﴿ويَقُولُ﴾؛ أيْ: لَهم في ذَلِكَ الجَمْعِ؛ تَبْكِيتًا وتَوْبِيخًا: ﴿أيْنَ شُرَكائِيَ﴾؛ عَلى ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؛ وأضافَ - سُبْحانَهُ - إلى نَفْسِهِ المُقَدَّسِ؛ لِأنَّهُ أقْطَعُ في تَوْبِيخِهِمْ؛ وأدَلُّ عَلى تَناهِي الغَضَبِ؛ ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ﴾؛ أيْ: كَوْنًا لا تَنْفَكُّونَ عَنْهُ؛ ﴿تُشاقُّونَ فِيهِمْ﴾؛ أوْلِيائِي؛ فَتَكُونُونَ بِمُخالَفَتِهِمْ في شِقٍّ غَيْرِ شِقِّهِمْ؛ فَتَخْضَعُونَ لِما لا يَنْبَغِي الخُضُوعُ لَهُ؛ وتَتَكَبَّرُونَ عَلى مَن لا يَنْبَغِي الإعْراضُ عَنْهُ؛ ما لَهم لا يَحْضُرُونَكُمْ؛ ويَدْفَعُونَ عَنْكم في هَذا اليَوْمِ؟ وقُرِئَ بِكَسْرِ النُّونِ؛ لِأنَّ مُشاقَقَةَ المَأْمُورِ مُشاقَقَةُ الآمِرِ. ولَمّا كانَ المَقامُ لِلْجَلالِ والعَظَمَةِ؛ المُسْتَلْزِمِ لِزِيادَةِ الهَيْبَةِ؛ الَّتِي يَلْزَمُ (p-١٤٣)عَنْها غالِبًا خَرَسُ المُخْزى عَنْ جَوابِهِ؛ لَوْ كانَ لَهُ جَوابٌ؛ وكانَ مِن أجَلِّ المَقاصِدِ في تَعْذِيبِهِمُ العَدْلُ بِتَفْرِيحِ الأوْلِياءِ؛ وإشْماتِهِمْ بِهِمْ؛ جَزاءً لِما كانُوا يَعْمَلُونَ بِهِمْ في الدُّنْيا؛ وكانَتِ الشَّماتَةُ أعْلى مَحْبُوبٍ لِلشّامِتِ؛ وأعْظَمَ مَرْهُوبٍ لِلْمَشْمُوتِ فِيهِ؛ وأعْظَمَ مُسَلٍّ لِلْمَظْلُومِ؛ دَلَّ عَلى سُكُوتِهِمْ رَغَبًا عَنِ المُبادَرَةِ بِالجَوابِ بِتَأْخِيرِ الخَبَرِ عَنْهُ؛ وتَقْدِيمِ الخَبَرِ عَنْ شَماتَةِ أعْدائِهِمْ فِيهِمْ؛ في سِياقِ الجَوابِ عَنْ سُؤالِ مَن قالَ: هَلْ عَلِمَ بِذَلِكَ المُؤْمِنُونَ؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ الَّذِينَ﴾؛ ولَمّا كانَ العِلْمُ شَرَفًا لِلْعالِمِ مُطْلَقًا؛ بَنى لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُ: ﴿أُوتُوا العِلْمَ﴾؛ أيْ: انْتَفَعُوا بِهِ في سُلُوكِ سَبِيلِ النَّجاةِ؛ مِنَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - ومَن أطاعَهم مِن أُمَمِهِمْ؛ إشارَةً إلى أنَّ الهالِكَ يَصِحُّ سَلْبُ العِلْمِ عَنْهُ؛ وإنْ كانَ أعْلَمَ النّاسِ؛ وعَدَلَ عَنْ أنْ يَقُولَ: ”أعْداؤُهُمْ“؛ أوْ ”المُؤْمِنُونَ“؛ ونَحْوَهُ؛ إجْلالًا لَهم بِوَصْفِهِمْ بِالعِلْمِ؛ الَّذِي هو أشْرَفُ الصِّفاتِ؛ لِكَوْنِهِ مَنشَأ كُلِّ فَضِيلَةٍ؛ وتَعْرِيضًا بِأنَّ الحامِلِ لِلْكُفّارِ عَلى الِاسْتِكْبارِ الجَهْلُ؛ الَّذِي هو سَبَبُ كُلِّ رَذِيلَةٍ؛ ﴿إنَّ الخِزْيَ﴾؛ أيْ: البَلاءَ المُذِلَّ؛ ﴿اليَوْمَ﴾؛ أيْ: يَوْمَ الفَصْلِ؛ الَّذِي يَكُونُ لِلْفائِزِ فِيهِ العاقِبَةُ المَأْمُونَةُ؛ ﴿والسُّوءَ﴾؛ أيْ: كُلَّ ما يَسُوءُ؛ ﴿عَلى الكافِرِينَ﴾؛ أيْ: العَرِيقِينَ في الكُفْرِ؛ الَّذِينَ (p-١٤٤)تَكَبَّرُوا في غَيْرِ مَوْضِعِ التَّكَبُّرِ؛ لا عَلى غَيْرِهِمْ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب