الباحث القرآني

ولَمّا كانَتْ أدِلَّةُ البَعْثِ قَدْ ثَبَتَ قِيامُها؛ واتَّضَحَتْ أعْلامُها؛ وعَلا مَنارُها؛ وانْتَشَرَتْ أنْوارُها؛ ساقَ الكَلامَ فِيها مَساقَ ما لا خِلافَ إلّا في العِلْمِ بِوَقْتِهِ؛ مَعَ الِاتِّفاقِ عَلى أصْلِهِ؛ لِأنَّهُ مِن لَوازِمِ التَّكْلِيفِ؛ ولَمّا اتَّضَحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَجْزُ شُرَكائِهِمْ؛ أشارَ إلى أنَّ مَنشَأ العَجْزِ قَبُولُ التَّعَدُّدِ؛ إرْشادًا إلى بُرْهانِ التَّمانُعِ؛ فَقالَ - عَلى طَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ؛ لِأنَّهُ نَتِيجَةُ ما مَضى قَطْعًا -: ﴿إلَهُكُمْ﴾؛ أيْ: أيُّها الخَلْقُ؛ كُلِّكُمُ؛ المَعْبُودُ بِحَقٍّ؛ ﴿إلَهٌ﴾؛ أيْ: مُتَّصِفٌ بِالإلَهِيَّةِ عَلى الإطْلاقِ؛ بِالنِّسْبَةِ إلى كُلِّ أحَدٍ؛ وكُلِّ زَمانٍ؛ وكُلِّ مَكانٍ؛ ﴿واحِدٌ﴾؛ لا يَقْبَلُ التَّعَدُّدَ - الَّذِي هو مَثارُ النَّقْصِ - بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ؛ لِأنَّ التَّعَدُّدَ يَسْتَلْزِمُ إمْكانَ التَّمانُعِ المُسْتَلْزِمِ لِلْعَجْزِ؛ المُسْتَلْزِمِ (p-١٣٤)لِلْبُعْدِ عَنْ رُتْبَةِ الإلَهِيَّةِ؛ ﴿فالَّذِينَ﴾؛ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنْ هَذا أنَّ الَّذِينَ ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾؛ أيْ: دارِ الجَزاءِ؛ ومَحَلِّ إظْهارِ الحُكْمِ؛ الَّذِي هو ثَمَرَةُ المُلْكِ؛ والعَدْلِ؛ الَّذِي هو مَدارُ العَظْمَةِ؛ ﴿قُلُوبُهم مُنْكِرَةٌ﴾؛ أيْ: جاهِلَةٌ بِأنَّهُ واحِدٌ؛ لِما لَها مِنَ القَسْوَةِ؛ لا لِاشْتِباهِ الأمْرِ - لِما تَقَدَّمَ في ”هُودٍ“؛ مِن أنَّ مادَّةَ ”نَكَرَ“ تَدُورُ عَلى القُوَّةِ؛ وهي تَسْتَلْزِمُ الصَّلابَةَ؛ فَتَأْتِي القَسْوَةُ -؛ ﴿وهُمْ﴾؛ أيْ: والحالُ أنَّهم بِسَبَبِ إنْكارِ الآخِرَةِ؛ ﴿مُسْتَكْبِرُونَ﴾؛ أيْ: صِفَتُهم الِاسْتِكْبارُ عَنْ كُلِّ ما لا يُوافِقُ أهْواءَهُمْ؛ وهو طَلَبُ التَّرَفُّعِ بِالِامْتِناعِ مِن قَبُولِ الحَقِّ أنَفَةً مِن أهْلِهِ؛ فَصارُوا بِذَلِكَ إلى حَدٍّ يَخْفى عَلَيْهِمْ مَعَهُ الشَّمْسُ؛ كَما قالَ (تَعالى): ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠]؛ ورُبَّما دَلَّ ”مُسْتَكْبِرُونَ“؛ عَلى أنَّ ”مُنْكِرَةٌ“؛ بِمَعْنى: جاحِدَةٌ ما هي بِهِ عارِفَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب