الباحث القرآني

ولَمّا تَقَرَّرَ بِذَلِكَ تَنَزُّهُهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ: شِرْكٍ وغَيْرِهِ؛ شَرَعَ يَصِفُ نَفْسَهُ - سُبْحانَهُ - بِصِفاتِ الكَمالِ؛ مِنَ الأمْرِ؛ والخَلْقِ؛ ولَمّا كانَ الأمْرُ أقْدَمَ؛ وأعْلى؛ بَدَأ بِهِ؛ ولَمّا كانَ مِن أمْرِهِ إنْزالُ المَلائِكَةِ عَلى الصُّورَةِ الَّتِي (p-١٠٤)طَلَبُوها في قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ ما تَأْتِينا بِالمَلائِكَةِ﴾ [الحجر: ٧]؛ وقَصَّ عَلَيْهِمْ في سُورَةِ إبْراهِيمَ ولُوطٍ - عَلَيْهِما السَّلامُ - ما يَتَرَتَّبُ عَلى إنْزالِهِمْ مُجْتَمِعِينَ؛ وفُهِمَ مِنهُ أنَّ لَهم في نُزُولِهِمْ حالَةً أُخْرى؛ لا تُنْكِرُها الرُّسُلُ؛ وهي حالَةُ الإتْيانِ إلَيْهِمْ بِالعِلْمِ؛ الَّذِي نِسْبَتُهُ إلى الأرْواحِ نِسْبَةُ الأرْواحِ إلى الأشْباحِ؛ وكانَ ذَلِكَ رُبَّما أثارَ لَهُمُ اعْتِراضًا يَطْلُبُونَ بِهِ الفَرْقَ بَيْنَهم وبَيْنَ الرُّسُلِ في إنْزالِهِمْ عَلَيْهِمْ؛ دُونَهم - كَما تَقَدَّمَ في ”الحِجْرِ“ -؛ وكانَ ما يُشْرِكُونَ بِهِ لا تَصَرُّفَ لَهُ أصْلًا؛ بِإنْزالٍ ولا غَيْرِهِ؛ قالَ (تَعالى) - مُشِيرًا إلى ذَلِكَ؛ وإلى أنَّ الوَحْيَ بِواسِطَةِ المَلَكِ؛ وأنَّ النُّبُوَّةَ عَطائِيَّةٌ؛ لا كَسْبِيَّةٌ -: ﴿يُنَـزِّلُ المَلائِكَةَ﴾؛ الَّذِينَ هُمُ المَلَأُ الأعْلى؛ ﴿بِالرُّوحِ﴾؛ أيْ: المَعْنى الأعْظَمِ؛ الَّذِي هو لِلْأرْواحِ بِمَنزِلَةِ الأرْواحِ لِلْأشْباحِ؛ ﴿مِن أمْرِهِ﴾؛ الَّذِي هو كَلامُهُ المُشْتَمِلُ عَلى الأمْرِ؛ والنَّهْيِ؛ ﴿ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]؛ وهو مِمّا تَمَيَّزَ بِهِ؛ لِحَقِّيَّتِهِ؛ وإعْجازِهِ عَنْ جَمِيعِ المَخْلُوقاتِ؛ فَكَيْفَ بِما لا يَعْقِلُ مِنها؛ كالأصْنامِ؟ (p-١٠٥)﴿عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾؛ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأنَّ ذَلِكَ نَتِيجَةُ فِعْلِهِ بِالِاخْتِيارِ؛ وأبْدَلَ مِن ”الرُّوحَ“؛ أوْ فَسَّرَ الإنْزالَ بِالوَحْيِ؛ لِأنَّهُ مُتَضَمِّنٌ مَعْنى القَوْلِ؛ فَقالَ: ﴿أنْ أنْذِرُوا﴾؛ أيْ: النّاسَ سَطْواتِي؛ فَإنَّها لا مَحالَةَ نازِلَةٌ بِمَن أُرِيدُ إنْزالَها بِهِ؛ بِسَبَبِ ﴿أنَّهُ لا إلَهَ إلا أنا﴾؛ وعَبَّرَ بِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ؛ لِأنَّهُ أدَلُّ عَلى المُرادِ؛ لِكَوْنِهِ أعْرَفَ؛ وسَبَّبَ عَنْ وحْدانِيَّتِهِ؛ الَّتِي هي مُنْتَهى كَمالِ القُوَّةِ العِلْمِيَّةِ؛ قَوْلَهُ - آمِرًا بِما هو أقْصى كَمالِ القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ -: ﴿فاتَّقُونِ﴾؛ أيْ: فَلْيَشْتَدَّ خَوْفُكم مِنِّي؛ وأخْذُكم لِما يَكُونُ وِقايَةً لَكم مِن عَذابِي؛ فَإنَّهُ لا مانِعَ مِمّا أُرِيدُ؛ فَمَن عَلِمْتُ أنَّهُ أهْلٌ لِلنِّقْمَةِ أنْزَلْتُها بِهِ؛ ومَن عَلِمْتُهُ أهْلًا لِتَلَقِّي الرُّوحِ مَنَحْتُهُ إيّاهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب